للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا الشَّرْطَ مِنْ مُوجِبِ الْعَقْدِ وَمُقْتَضَاهُ، فَإِنَّ الْإِيجَابَ إذَا وُجِدَ مِنْ الْبَائِعِ كَانَ الْقَبُولُ إلَى مَشِيئَةِ الْمُشْتَرِي وَاخْتِيَارِهِ.

وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفَانِ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ. لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِهَا فِي الْحَالِ، وَمَا لَا يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ، لَا يَصِيرُ وَاجِبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ. وَإِنْ قَالَ: إنْ شَهِدَ فُلَانٌ عَلَيَّ لَك بِأَلْفٍ صَدَّقْته. لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَدِّقَ الْكَاذِبَ. وَإِنْ قَالَ: إنْ شَهِدَ بِهَا فُلَانٌ فَهُوَ صَادِقٌ. احْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ، فَأَشْبَهَتْ الَّتِي قَبْلَهَا.

وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ صِدْقُهُ إذَا شَهِدَ بِهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً فِي الْحَالِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِصِدْقِهِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَهِدَ بِهَا فُلَانٌ. لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ.

(٣٩١٠) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ. فَقَالَ: أَنَا أُقِرُّ. لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ وَعَدَ بِالْإِقْرَارِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَإِنْ قَالَ: لَا أُنْكِرُ. لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْإِنْكَارِ الْإِقْرَارُ، فَإِنَّ بَيْنَهُمَا قِسْمًا آخَرَ، وَهُوَ السُّكُوتُ عَنْهُمَا. وَإِنْ قَالَ: لَا أُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ مُحِقًّا. لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا؛ لِذَلِكَ. وَإِنْ قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ. وَلَمْ يَزِدْ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَقِيبَ الدَّعْوَى، فَيَنْصَرِفُ إلَيْهَا.

وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: أَقْرَرْت. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: ٨١] وَلَمْ يَقُولُوا أَقْرَرْنَا بِذَلِكَ وَلَا زَادُوا عَلَيْهِ فَكَانَ مِنْهُمْ إقْرَارًا. وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ مُقِرًّا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُرِيدَ: أَنَا مُقِرٌّ بِالشَّهَادَةِ أَوْ بِبُطْلَانِ دَعْوَاك وَإِنْ قَالَ لَعَلَّ أَوْ عَسَى لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا لِأَنَّهُمَا لِلتَّرَجِّي، وَإِنْ قَالَ: أَظُنُّ أَوْ أَحْسَبُ أَوْ أُقَدِّرُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّكِّ، وَإِنْ قَالَ: خُذْ، أَوْ اتَّزِنْ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ: خُذْ الْجَوَابَ، أَوْ اتَّزِنْ شَيْئًا آخَرَ، وَإِنْ قَالَ: خُذْهَا، أَوْ اتَّزِنْهَا، أَوْ هِيَ صِحَاحٌ.

فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا لَيْسَ بِإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَرْجِعُ إلَى الْمُدَّعِي، وَلَمْ يُقِرَّ بِوُجُوبِهِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا يَدَّعِيه مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَأَمْرُهُ بِأَخْذِهَا أَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْهُ الْوُجُوبُ. وَالثَّانِي، يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلَى مَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ. أَوْ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: الْأَوَّلُ إقْرَارٌ، وَالثَّانِي لَيْسَ بِإِقْرَارٍ.

وَهَذَا مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ، ثُمَّ عَقَّبَهُ بِمَا لَا يَقْتَضِي رَفْعَهُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ. يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَحَلَّ، فَلَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ، وَفِي الثَّانِي بَدَأَ بِالشَّرْطِ فَعَلَّقَ عَلَيْهِ لَفْظًا يَصْلُحُ لِلْإِقْرَارِ وَيَصْلُحُ لِلْوَعْدِ، فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا مَعَ الِاحْتِمَالِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الشَّرْطِ وَتَأْخِيرَهُ سَوَاءٌ، فَيَكُونُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَجْهَانِ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>