للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ. وَأَشْبَاهُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ لِلتَّصَرُّفِ، فَصَحَّ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ، كَإِبَاحَةِ الطَّعَامِ بِقَوْلِهِ وَتَقْدِيمِهِ إلَى الضَّيْفِ.

[فَصْل إعَارَةُ عَيْنٍ يُنْتَفَعُ بِهَا مَنْفَعَةً مُبَاحَةً]

فَصْلٌ: وَتَجُوزُ إعَارَةُ كُلِّ عَيْنٍ يُنْتَفَعُ بِهَا مَنْفَعَةً مُبَاحَةً مَعَ بَقَائِهَا عَلَى الدَّوَامِ، كَالدُّورِ، وَالْعَقَارِ، وَالْعَبِيدِ، وَالْجَوَارِي، وَالدَّوَابِّ، وَالثِّيَابِ، وَالْحُلِيِّ لِلُّبْسِ، وَالْفَحْلِ لِلضِّرَابِ، وَالْكَلْبِ لِلصَّيْدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ أَدْرُعًا، وَذَكَرَ إعَارَةَ دَلْوِهَا وَفَحْلِهَا. وَذَكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَارِيَّةَ الْقِدْرِ وَالْمِيزَانِ، فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَمَا عَدَاهَا مَقِيسٌ عَلَيْهَا إذَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا، وَلِأَنَّ مَا جَازَ لِلْمَالِكِ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْمَنَافِعِ، مَلَكَ إبَاحَتَهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ كَالثِّيَابِ.

وَلِأَنَّهَا أَعْيَانٌ تَجُوزُ إجَارَتُهَا، فَجَازَتْ إعَارَتُهَا، كَالثِّيَابِ. وَيَجُوزُ اسْتِعَارَةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِيَزِنَ بِهَا، فَإِنْ اسْتَعَارَهَا لِيُنْفِقَهَا، فَهَذَا قَرْضٌ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقِيلَ: لَيْسَ هَذَا جَائِزًا، وَلَا تَكُونُ الْعَارِيَّةُ فِي الدَّنَانِيرِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا شَيْئًا. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا مَعْنَى الْقَرْضِ، فَانْعَقَدَ الْقَرْضُ بِهِ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ.

[فَصْل إعَارَةُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرِ]

(٣٩١٩) فَصْلٌ: وَلَا تَجُوزُ إعَارَةُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَمْكِينُهُ مِنْ اسْتِخْدَامِهِ، فَلَمْ تَجُزْ إعَارَتُهُ لِذَلِكَ، وَلَا إعَارَةُ الصَّيْدِ لِمُحْرِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إمْسَاكُهُ، وَلَا إعَارَةُ الْمَرْأَةِ الْجَمِيلَةِ لِرَجُلٍ غَيْرِ مَحْرَمِهَا، إنْ كَانَ يَخْلُو بِهَا، أَوْ يَنْظُرُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا. وَتَجُوزُ إعَارَتُهَا لِامْرَأَةِ وَلِذِي مَحْرَمِهَا. وَلَا تَجُوزُ إعَارَةُ الْعَيْنِ لِنَفْعِ مُحَرَّمٍ، كَإِعَارَةِ الدَّارِ لِمَنْ يَشْرَبُ فِيهَا الْخَمْرَ، أَوْ يَبِيعُهُ فِيهَا، أَوْ يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا، وَلَا إعَارَةُ عَبْدِهِ لِلزَّمْرِ، أَوْ لِيَسْقِيَهُ الْخَمْرَ، أَوْ يَحْمِلَهَا لَهُ، أَوْ يَعْصِرَهَا، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِيرَ وَالِدَيْهِ لِخِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ اسْتِخْدَامُهُمَا. فَكَرِهَ اسْتِعَارَتُهُمَا لِذَلِكَ.

[فَصْل الْإِعَارَةُ مُطْلَقَة مُقَيَّدَة]

(٣٩٢٠) فَصْلٌ: وَتَجُوزُ الْإِعَارَةُ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا؛ لِأَنَّهَا إبَاحَةٌ، فَجَازَ فِيهَا ذَلِكَ، كَإِبَاحَةِ الطَّعَامِ. وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، فَإِذَا أَعَارَهُ شَيْئًا مُطْلَقًا، أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي كُلِّ مَا هُوَ مُسْتَعِدٌّ لَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ. فَإِذَا أَعَارَهُ أَرْضًا مُطْلَقًا، فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا، وَيَغْرِسَ، وَيَبْنِيَ، وَيَفْعَلَ فِيهَا كُلَّ مَا هِيَ مُعَدَّةٌ لَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُطْلَقٌ. وَإِنْ أَعَارَهُ لِلْغِرَاسِ أَوْ لِلْبِنَاءِ، فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ دُونَ ضَرَرِهِمَا، فَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ.

وَإِنْ اسْتَعَارَهَا لِلزَّرْعِ، لَمْ يَغْرِسْ، وَلَمْ يَبْنِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا أَكْثَرُ، فَلَمْ يَكُنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>