للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَلَى هَذَا، إنْ كَانَ الْمَضْمُونُ بِقِيمَتِهِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ، وَجَبَتْ قِيمَتُهُ مِنْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَجَبَتْ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهِ، فَكَانَتْ مَوْزُونَةً وَجَبَتْ. وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، قُوِّمَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَتْ فِيهِ صِنَاعَةٌ مُبَاحَةٌ، فَزَادَتْ قِيمَتُهُ مِنْ أَجْلِهَا، جَازَ تَقْوِيمُهُ بِجِنْسِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قِيمَتُهُ، وَالصِّنَاعَةُ لَهَا قِيمَةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ كُسِرَ الْحُلِيُّ، وَجَبَ أَرْشُ كَسْرِهِ، وَيُخَالِفُ الْبَيْعَ، لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ لَا يُقَابِلُهَا الْعِوَضُ فِي الْعُقُودِ، وَيُقَابِلُهَا فِي الْإِتْلَافِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَنْفَرِدُ بِالْعَقْدِ، وَتَنْفَرِدُ بِضَمَانِهَا بِالْإِتْلَافِ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ مِثْلَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مَأْخُوذَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ، فَالزِّيَادَةُ فِيهِ رِبًا، كَالْبَيْعِ وَكَالنَّقْصِ.

وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: إذَا كَسَرَ الْحُلِيَّ، يُصْلِحُهُ أَحَبُّ إلَيَّ. قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمَا تَرَاضَيَا بِذَلِكَ، لَا أَنَّهُ عَلَى طَرِيقِ الْوُجُوبِ. وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الصِّنَاعَةُ مُبَاحَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً كَالْأَوَانِي وَحُلِيِّ الرِّجَالِ، لَمْ يَجُزْ ضَمَانُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا شَرْعًا، فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ.

[مَسْأَلَةٌ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَهَا]

[الْفَصْل الْأَوَّل غَصْبُ الْعَقَارِ مِنْ الْأَرَاضِي وَالدُّورِ]

(٣٩٣٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا، فَغَرَسَهَا، أُخِذَ بِقَلْعِ غَرْسِهِ وَأُجْرَتِهَا إلَى وَقْتِ تَسْلِيمِهَا، وَمِقْدَارِ نُقْصَانِهَا، إنْ كَانَ نَقَصَهَا الْغَرْسُ) . الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُصُولٍ: (٣٩٣٤) أَحَدُهَا، أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ غَصْبُ الْعَقَارِ مِنْ الْأَرَاضِي وَالدُّورِ، وَيَجِبُ ضَمَانُهَا عَلَى غَاصِبَهَا. هَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَصْحَابِهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ.

وَرَوَى ابْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَحْمَدَ فِي مَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا، ثُمَّ أَصَابَهَا غَرَقٌ مِنْ الْغَاصِبِ، غَرِمَ قِيمَةَ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا مِنْ السَّمَاءِ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يُتَصَوَّرُ غَصْبُهَا، وَلَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ، وَإِنْ أَتْلَفَهَا، ضَمِنَهَا بِالْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِيهَا النَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا، كَمَا لَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَتَاعِهِ، فَتَلِفَ الْمَتَاعُ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى الْمَالِ عُدْوَانًا عَلَى وَجْهٍ تَزُولُ بِهِ يَدُ الْمَالِكِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْعَقَارِ.

وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الْأَرْضِ، طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرْضِينَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ. وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ» . فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>