للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا، أَنْ يَخْلِطَهُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ، كَزَيْتٍ بِزَيْتٍ، أَوْ حِنْطَةٍ بِمِثْلِهَا، أَوْ دَقِيقٍ بِمِثْلِهِ، أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ بِمِثْلِهَا، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَلْزَمُهُ مِثْلُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ.

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا بِهِ إذَا خَلَطَهُ بِغَيْرِ الْجِنْسِ، فَيَكُونُ تَنْبِيهًا عَلَى مَا إذَا خَلَطَهُ بِجِنْسِهِ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، إلَّا فِي الدَّقِيقِ، فَإِنَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِمِثْلِي. وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ، إنْ شَاءَ مِنْهُ، وَإِنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ عَيْنِ مَالِهِ بِالْخَلْطِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ قَدَرَ عَلَى دَفْعِ بَعْضِ مَالِهِ إلَيْهِ، مَعَ رَدِّ الْمِثْلِ فِي الْبَاقِي، فَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْمِثْلِ فِي الْجَمِيعِ، كَمَا لَوْ غَصَبَ صَانِعًا، فَتَلِفَ نِصْفُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ مِنْهُ، فَقَدْ دَفَعَ إلَيْهِ بَعْضَ مَالِهِ وَبَدَلَ الْبَاقِي، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ دَفْعِهِ مِنْ غَيْرِهِ.

الضَّرْبُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ، أَنْ يَخْلِطَهُ بِخَيْرٍ مِنْهُ، أَوْ دُونَهُ، أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ، يُبَاعُ الْجَمِيعُ، وَيُدْفَعُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ، فِي رَجُلٍ لَهُ رِطْلُ زَيْتٍ، وَآخَرَ لَهُ رِطْلُ شَيْرَجٍ اخْتَلَطَا: يُبَاعُ الدُّهْنُ كُلُّهُ، وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرَ حِصَّتِهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّنَا إذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ، أَوْصَلْنَا إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنَ مَالِهِ، وَإِذَا أَمْكَنَ الرُّجُوعُ إلَى عَيْنِ الْمَالِ، لَمْ يُرْجَعْ إلَى الْبَدَلِ.

وَإِنْ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ عَنْ قِيمَتِهِ مُنْفَرِدًا، فَعَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِفِعْلِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْخَلْطِ مُسْتَهْلَكًا، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى زَيْتًا فَخَلَطَهُ بِزَيْتِهِ، ثُمَّ أَفْلَسَ، صَارَ الْبَائِعُ كَبَعْضِ الْغُرَمَاءِ، وَلِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ مَالِهِ، فَكَانَ لَهُ بَدَلُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ تَالِفًا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ أَحْمَدَ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَطَا مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ، فَأَمَّا الْمَغْصُوبُ، فَقَدْ وُجِدَ مِنْ الْغَاصِبِ مَا مَنَعَ الْمَالِكَ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ مُمَيَّزًا، فَلَزِمَهُ مِثْلُهُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، إلَّا بِأَنْ خَلَطَهُ بِخَيْرٍ مِنْهُ، وَبَذَلَ لِصَاحِبِهِ مِثْلَ حَقِّهِ مِنْهُ، لَزِمَهُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَ إلَيْهِ بَعْضَ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ وَتَبَرَّعَ بِالزِّيَادَةِ فِي مِثْلِ الْبَاقِي.

وَإِنْ خَلَطَهُ بِأَدْوَنَ مِنْهُ، فَرَضِيَ الْمَالِكُ بِأَخْذِ قَدْرِ حَقِّهِ مِنْهُ، لَزِمَ الْغَاصِبَ بَذْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ رَدُّ بَعْضِ الْمَغْصُوبِ وَرَدُّ مِثْلِ الْبَاقِي مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ الْغَاصِبَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ انْتَقَلَ إلَى الذِّمَّةِ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ، وَإِنْ بَذَلَهُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَأَبَاهُ، لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ. وَإِنْ تَرَاضَيَا بِذَلِكَ، جَازَ، وَكَانَ الْمَالِكُ مُتَبَرِّعًا بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهِ.

وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ مِنْ الرَّدِيءِ، أَوْ دُونَ حَقِّهِ مِنْ الْجَيِّدِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ رِبًا؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الزَّائِدَ فِي الْقَدْرِ عِوَضًا عَنْ الْجَوْدَةِ. وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ، فَرَضِيَ بِأَخْذِ دُونَ حَقِّهِ مِنْ الرَّدِيءِ، أَوْ سَمَحَ الْغَاصِبُ فَدَفَعَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ مِنْ الْجَيِّدِ، جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُقَابِلَ لِلزِّيَادَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ تَبَرُّعٌ مُجَرَّدٌ.

وَإِنْ خَلَطَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>