للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

: هَذَا لَك عِنْدِي.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ هَاهُنَا بِأَكْلِ الْمَالِكِ طَعَامَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ رَدَّ إلَيْهِ يَدَهُ وَسُلْطَانَهُ، وَهَا هُنَا بِالتَّقْدِيمِ إلَيْهِ لَمْ تَعُدْ إلَيْهِ الْيَدُ وَالسُّلْطَانُ، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِكُلِّ مَا يُرِيدُ، مِنْ أَخْذِهِ وَبَيْعِهِ وَالصَّدَقَةِ بِهِ، فَلَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ، كَمَا لَوْ عَلَفَهُ لِدَوَابِّهِ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَبْرَأَ بِنَاءً عَلَى مَا مَضَى إذَا أَطْعَمَهُ لِغَيْرِ مَالِكِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْآكِلِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَيَبْرَأُ هَاهُنَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. . وَإِنْ وَهَبَ الْمَغْصُوبَ لِمَالِكِهِ، أَوْ أَهْدَاهُ إلَيْهِ،

فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ تَسْلِيمًا صَحِيحًا تَامًّا، وَزَالَتْ يَدُ الْغَاصِبِ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَارِدٌ فِيمَا إذَا أَعْطَاهُ عِوَضَ حَقِّهِ عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ، فَأَخَذَهُ الْمَالِكُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ، فَلَمْ تَثْبُتْ الْمُعَاوَضَةُ، وَمَسْأَلَتُنَا فِيمَا إذَا رَدَّ إلَيْهِ عَيْنَ مَالِهِ، وَأَعَادَ يَدَهُ الَّتِي أَزَالَهَا. وَإِنْ بَاعَهُ إيَّاهُ، وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِالِابْتِيَاعِ، وَالِابْتِيَاعُ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَإِنْ أَقْرَضَهُ إيَّاهُ، بَرِئَ أَيْضًا؛ لِذَلِكَ. وَإِنْ أَعَارَهُ إيَّاهُ، بَرِئَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تُوجِبُ الضَّمَانَ.

وَإِنْ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ، أَوْ آجَرَهُ إيَّاهُ، أَوْ رَهَنَهُ، أَوْ أَسْلَمَهُ عِنْدَهُ لِيَقْصِرهُ أَوْ يُعْلِمَهُ، لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ سُلْطَانُهُ، إنَّمَا قَبَضَهُ عَلَى أَنَّهُ أَمَانَةٌ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى يَدِهِ وَسُلْطَانِهِ.

وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَبَاحَهُ إيَّاهُ فَأَكَلَهُ، لَمْ يَبْرَأْ، فَهَاهُنَا أَوْلَى.

[فَصْلٌ اخْتِلَاف الْمَالِك وَالْغَاصِب فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ]

(٣٩٩٢) فَصْلٌ: إذَا اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ، وَلَا بَيِّنَةَ لَأَحَدِهِمَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، فَلَا يُلْزِمُهُ، مَا لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ بِهِ حُجَّةً، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا، فَأَقَرَّ بِبَعْضِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ الْمَالِكُ: كَانَ كَاتِبًا أَوْ لَهُ صِنَاعَةٌ. فَأَنْكَرَ الْغَاصِبُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَذَلِكَ، فَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ بِالصِّفَةِ ثَبَتَتْ. وَإِنْ قَالَ الْغَاصِبُ: كَانَتْ فِيهِ سِلْعَةٌ، أَوْ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ، أَوْ عَيْبٌ. فَأَنْكَرَ الْمَالِكُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ فِي قِيمَتِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ زِيَادَةِ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ فِي وَقْتِ زِيَادَتِهِ، فَقَالَ الْمَالِكُ: زَادَتْ قَبْلَ تَلَفِهِ. وَقَالَ الْغَاصِبُ: إنَّمَا زَادَتْ قِيمَةُ الْمَتَاعِ بَعْدَ تَلَفِهِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>