للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ بِمَا لَا تَجِبُ بِهِ الشُّفْعَةُ]

(٤٠٣٥) فَصْلٌ: وَإِنْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ بِمَا لَا تَجِبُ بِهِ الشُّفْعَةُ، كَالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ، وَجَعْلِهِ مَسْجِدًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِلشَّفِيعِ فَسْخُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ، وَيَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ الْبَيْعُ بِهِ.

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَلَكَ فَسْخَ الْبَيْعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، مَعَ إمْكَانِ الْأَخْذِ بِهِمَا، فَلَأَنْ يَمْلِكَ فَسْخَ عَقْدٍ لَا يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَسْبَقُ، وَجَنْبَتُهُ أَقْوَى، فَلَمْ يَمْلِكْ الْمُشْتَرِي أَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفًا يُبْطِلُ حَقَّهُ.

وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَبْطُلَ الْوَقْفُ لِأَجْلِ حَقِّ الْغَيْرِ، كَمَا لَوْ وَقَفَ الْمَرِيضُ أَمْلَاكَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ، رُدَّ الْوَقْفُ إلَى الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِهِ، بَلْ لَهُمْ إبْطَالُ الْعِتْقِ، فَالْوَقْفُ أَوْلَى. وَقَالَ الْقَاضِي: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، وَبَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ فِيمَا إذَا تَصَرَّفَ بِالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ.

وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْمَاسَرْجِسِيِّ فِي الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْمَمْلُوكِ، وَقَدْ خَرَجَ هَذَا عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: مَنْ اشْتَرَى دَارًا، فَجَعَلَهَا مَسْجِدًا، فَقَدْ اسْتَهْلَكَهَا، وَلَا شُفْعَةَ فِيهَا. وَلِأَنَّ فِي الشُّفْعَةِ هَاهُنَا إضْرَارًا بِالْمَوْهُوبِ لَهُ، وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ إذَا فَسَخَ الْبَيْعَ الثَّانِيَ، رَجَعَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالثَّمَنِ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ، فَلَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ، وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ هَاهُنَا يُوجِبُ رَدَّ الْعِوَضِ إلَى غَيْرِ الْمَالِكِ، وَسَلْبَهُ عَنْ الْمَالِكِ، فَإِذَا قُلْنَا بِسُقُوطِ الشُّفْعَةِ، فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ قُلْنَا بِثُبُوتِهَا، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَيَفْسَخُ عَقْدَهُ، وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي.

وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَكُونُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِلْكَهُ. وَلَنَا، أَنَّ الشَّفِيعَ يُبْطِلُ الْهِبَةَ، وَيَأْخُذُ الشِّقْصَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَهَبَ، كَانَ الثَّمَنُ لَهُ، كَذَلِكَ بَعْدَ الْهِبَةِ الْمَفْسُوخَةِ.

[فَصْلٌ جَعَلَ الشِّقْص صَدَاقًا أَوْ عِوَضًا فِي خَلَعَ أَوْ صُلْحٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ]

(٤٠٣٦) فَصْلٌ: فَإِنْ جَعَلَهُ صَدَاقًا، أَوْ عِوَضًا فِي خُلْعٍ أَوْ صُلْحٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ، انْبَنَى ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ: فَإِنْ قَايَلَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ، أَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ، فَلِلشَّفِيعِ فَسْخُ الْإِقَالَةِ وَالرَّدِّ، وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ عَلَيْهِمَا، وَلَا يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ مَعَهُمَا.

وَإِنْ تَحَالَفَا عَلَى الثَّمَنِ، وَفَسَخَا الْبَيْعَ، فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الشِّقْصَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مُقِرٌّ بِالْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ، وَمُقِرٌّ لِلشَّفِيعِ بِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ بِذَلِكَ، فَإِذَا بَطَلَ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِإِنْكَارِهِ، لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ بِذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يُبْطِلَ فَسْخَهُمَا وَيَأْخُذَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>