للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ قَالَ اشْتَرَيْته لِفُلَانِ وَكَانَ حَاضِرًا وَقْتَ الشُّفْعَة]

(٤٠٦٤) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْته لِفُلَانٍ. وَكَانَ حَاضِرًا، اسْتَدْعَاهُ الْحَاكِمُ، وَسَأَلَهُ، فَإِنْ صَدَّقَهُ، كَانَ الشِّرَاءُ لَهُ، وَالشُّفْعَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: هَذَا مِلْكِي، وَلَمْ أَشْتَرِهِ. انْتَقَلَتْ الْخُصُومَةُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ، حَكَمَ بِالشِّرَاءِ لِمَنْ اشْتَرَاهُ، وَأَخَذَ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ. وَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ غَائِبًا، أَخَذَهُ الْحَاكِمُ، وَدَفَعَهُ إلَى الشَّفِيعِ، وَكَانَ الْغَائِبُ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قَدِمَ؛ لِأَنَّنَا لَوْ وَقَفْنَا الْأَمْرَ فِي الشُّفْعَةِ إلَى حُضُورِ الْمُقَرِّ لَهُ، لَكَانَ فِي ذَلِكَ إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ، لِأَنَّ كُلَّ مُشْتَرٍ يَدَّعِي أَنَّهُ لَغَائِبٍ.

وَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْته لِابْنِي الطِّفْلِ. أَوْ لِهَذَا الطِّفْلِ. وَلَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لِلطِّفْلِ، وَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ بِإِقْرَارِ الْوَلِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إيجَابُ حَقٍّ فِي مَالٍ صَغِيرٍ، بِإِقْرَارِ وَلِيِّهِ.

وَالثَّانِي، تَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لَهُ، فَصَحَّ إقْرَارُهُ فِيهِ، كَمَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِعَيْبٍ فِي مَبِيعِهِ. فَأَمَّا إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ شُفْعَةً فِي شِقْصٍ، فَقَالَ: هَذَا لِفُلَانٍ الْغَائِبِ. أَوْ لِفُلَانٍ الطِّفْلِ. ثُمَّ أَقَرَّ بِشِرَائِهِ لَهُ،

لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ، إلَّا أَنْ تَثْبُتَ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ يَقْدَمَ الْغَائِبُ وَيَبْلُغَ الطِّفْلُ، فَيُطَالِبَهُمَا بِهَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لَهُمَا بِإِقْرَارِهِ بِهِ، فَإِقْرَارُهُ بِالشِّرَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ إقْرَارٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَلَا يُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالشِّرَاءِ ابْتِدَاءً: لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لَهُمَا بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ الْمُثْبِتِ لِلشُّفْعَةِ، فَثَبَتَا جَمِيعًا. وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَ الْمِلْكِ، لَمْ يَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَلَمْ يُطَالِبْ بِبَيَانِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالشِّرَاءِ لَمْ تَثْبُتْ بِهِ شُفْعَةٌ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْكَشْفِ عَنْهُ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ كُلِّهِ كَمَذْهَبِنَا.

[فَصْلٌ دَارٌ بَيْنَ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ فَادَّعَى الْحَاضِرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقّهُ بِالشُّفْعَةِ فَصَدَّقَهُ]

(٤٠٦٥) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ، فَادَّعَى الْحَاضِرُ عَلَى مَنْ فِي يَدِهِ نَصِيبُ الْغَائِبِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقّهُ بِالشُّفْعَةِ، فَصَدَّقَهُ، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ يُصَدَّقُ فِي تَصَرُّفِهِ فِيمَا فِي يَدَيْهِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ.

وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ، فَقُبِلَ إقْرَارُهُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِأَصْلِ مِلْكِهِ، وَهَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّك بِعْت نَصِيبَ الْغَائِبِ بِإِذْنِهِ، وَأَقَرَّ لَهُ الْوَكِيلُ، كَانَ كَإِقْرَارِ الْبَائِعِ بِالْبَيْعِ. فَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ فَأَنْكَرَ الْبَيْعَ. أَوْ الْإِذْنَ فِي الْبَيْعِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَيَنْتَزِعُ الشِّقْصَ، وَيُطَالِبُ بِأَجْرِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ، فَإِنْ طَالَبَ الْوَكِيلَ، رَجَعَ عَلَى الشَّفِيعِ، وَإِنْ طَالَبَ الشَّفِيعَ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ.

وَإِنْ ادَّعَى عَلَى الْوَكِيلِ، أَنَّك اشْتَرَيْت الشِّقْصَ الَّذِي فِي يَدِكَ. فَأَنْكَرَ، وَقَالَ: إنَّمَا أَنَا وَكِيلٌ فِيهِ، أَوْ مُسْتَوْدَعٌ لَهُ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، حُكِمَ بِهَا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>