للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكُلَّ، أَوْ اُتْرُكْ. لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَصِحَّ إسْقَاطُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ اسْتَقَرَّ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ، فَجَرَى مَجْرَى الشَّفِيعَيْنِ إذَا أَخَذَا بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ عَفَا أَحَدُهُمَا عَنْ حَقِّهِ. وَكَذَلِكَ إذَا حَضَرَ أَحَدُ الشَّفِيعَيْنِ، فَأَخَذَ جَمِيعَ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ، ثُمَّ حَضَرَ الْآخَرُ، فَلَهُ أَخْذُ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ الْأَوَّلُ: خُذْ الْكُلَّ أَوْ دَعْ، فَإِنِّي قَدْ أَسْقَطْت شُفْعَتِي. لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَبْعِيضٌ لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي. قُلْنَا: هَذَا التَّبْعِيضُ اقْتَضَاهُ دُخُولُهُ فِي الْعَقْدِ، فَصَارَ كَالرِّضَى مِنْهُ بِهِ، كَمَا قُلْنَا فِي الشَّفِيعِ الْحَاضِرِ إذَا أَخَذَ جَمِيعَ الشِّقْصِ، وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى شِقْصًا وَسَيْفًا.

[مَسْأَلَةٌ تَرَكَ أَحَدُهُمَا شُفْعَتَهُ]

(٤٠٧٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (فَإِنْ تَرَكَ أَحَدُهُمَا شُفْعَتَهُ، لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الشِّقْصُ بَيْنَ شُفَعَاءَ، فَتَرَكَ بَعْضُهُمْ، فَلَيْسَ لِلْبَاقِينَ إلَّا أَخْذُ الْجَمِيعِ أَوْ تَرْكُ الْجَمِيعِ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُ الْبَعْضِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.

وَلِأَنَّ فِي أَخْذِ الْبَعْضِ إضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي، بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ دَفْعًا لِضَرَرِ الشَّرِيكِ الدَّاخِلِ، خَوْفًا مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَمُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ، فَإِذَا أَخَذَ بَعْضَ الشِّقْصِ، لَمْ يَنْدَفِعْ عَنْهُ الضَّرَرُ، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزُ لِمُخَالَفَةِ الْأَصْلِ، فَلَا تَثْبُتُ.

وَلَوْ كَانَ الشَّفِيعُ وَاحِدًا، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ بَعْضِ الْمَبِيعِ؛ لِذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ، سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ، فَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهَا، سَقَطَ جَمِيعُهَا، كَالْقِصَاصِ. وَإِنْ وَهَبَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ نَصِيبَهُ مِنْ الشُّفْعَةِ بَعْضَ شُرَكَائِهِ أَوْ غَيْرَهُ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَفْوٌ، وَلَيْسَ بِهِبَةٍ، فَلَمْ يَصِحَّ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ.

[فَصْلٌ كَانَ الشُّفَعَاءُ غَائِبِينَ]

(٤٠٧٥) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الشُّفَعَاءُ غَائِبِينَ، لَمْ تَسْقُطْ الشُّفْعَةُ؛ لِمَوْضِعِ الْعُذْرِ. فَإِذَا قَدِمَ أَحَدُهُمْ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا الْكُلَّ، أَوْ يَتْرُكَ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ الْيَوْمَ مُطَالِبًا سِوَاهُ، وَلِأَنَّ فِي أَخْذِهِ الْبَعْضَ تَبْعِيضًا لِصَفْقَةِ الْمُشْتَرِي، فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ حَقِّهِ إلَى أَنْ يَقْدَمَ شُرَكَاؤُهُ؛ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ إضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي.

فَإِذَا أَخَذَ الْجَمِيعَ، ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ، قَاسَمَهُ، إنْ شَاءَ أَوْ عَفَا فَيَبْقَى لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ إنَّمَا وُجِدَتْ مِنْهُمَا. فَإِنْ قَاسَمَهُ، ثُمَّ حَضَرَ الثَّالِثُ، قَاسَمَهُمَا إنْ أَحَبَّ أَوْ عَفَا فَيَبْقَى لِلْأَوَّلَيْنِ، فَإِنْ نَمَا الشِّقْصُ فِي يَدِ الْأَوَّلِ نَمَاءً مُنْفَصِلًا، لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ فِي مِلْكِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ انْفَصَلَ فِي يَدَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ.

وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ الثَّانِي، فَنَمَا فِي يَدِهِ نَمَاءً مُنْفَصِلًا، لَمْ يُشَارِكْهُ الثَّالِثُ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>