للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْقَاضِي، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إنْ كَانَ وَكِيلَ الْبَائِعِ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ فِي الْبَيْعِ، لِكَوْنِهِ يَقْصِدُ تَقْلِيلَ الثَّمَنِ لِيَأْخُذَ بِهِ، بِخِلَافِ وَكِيلِ الْمُشْتَرِي.

وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا شُفْعَةَ لِوَكِيلِ الْمُشْتَرِي، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ أَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَكِيلِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَى نَفْسِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ وَكِيلٌ، فَلَا تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ، كَالْآخَرِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَكِيلِ. إنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكَّلِ، ثُمَّ لَوْ انْتَقَلَ إلَى الْوَكِيلِ لِمَا ثَبَتَتْ فِي مِلْكِهِ، إنَّمَا يَنْتَقِلُ فِي الْحَالِ إلَى الْمُوَكَّلِ، فَلَا يَكُونُ الْأَخْذُ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا الِاسْتِحْقَاقُ عَلَيْهَا.

وَأَمَّا التُّهْمَةُ فَلَا تُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ وَكَّلَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِثُبُوتِ شُفْعَتِهِ، رَاضِيًا بِتَصَرُّفِهِ مَعَ ذَلِكَ، فَلَا يُؤَثِّرُ، كَمَا لَوْ أَذِنَ لِوَكِيلِهِ فِي الشِّرَاءِ مِنْ نَفْسِهِ. فَعَلَى هَذَا، لَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ: بِعْ نِصْفَ نَصِيبِي مَعَ نِصْفِ نَصِيبِك. فَفَعَلَ، ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْمَبِيعِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ. وَعِنْدَ الْقَاضِي تَثْبُتُ فِي نَصِيبِ الْوَكِيلِ، دُونَ نَصِيبِ الْمُوَكَّلِ.

[فَصْلٌ ضَمِنَ الشَّفِيعُ الْعُهْدَةَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ شَرَطَ لَهُ الْخِيَارَ فَاخْتَارَ إمْضَاءَ الْعَقْدِ]

(٤٠٩٤) فَصْلٌ: وَإِنْ ضَمِنَ الشَّفِيعُ الْعُهْدَةَ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ شَرَطَ لَهُ الْخِيَارَ فَاخْتَارَ إمْضَاءَ الْعَقْدِ، لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: تَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَمَّ بِهِ، فَأَشْبَهَ الْبَائِعَ إذَا بَاعَ بَعْضَ نَصِيبِ نَفْسِهِ.

وَلَنَا، أَنَّ هَذَا سَبَبُ سَبْقِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ، فَلَمْ تَسْقُطْ بِهِ الشُّفْعَةُ، كَالْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ، وَالْعَفْوِ عَنْ الشُّفْعَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْبَيْعِ. وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَقِفُ عَلَى الضَّمَانِ، وَيَبْطُلُ بِمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا، فَإِنَّ الْبَيْعَ قَدْ تَمَّ بِهِ، وَتَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ.

[فَصْلِ دَارٌ بَيْن ثَلَاثَةٍ فَقَارَضَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَحَدَ شَرِيكَيْهِ بِأَلْفِ فَاشْتَرَى بِهِ نِصْفَ نَصِيبِ الثَّالِثِ]

(٤٠٩٥) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ، فَقَارَضَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَحَدَ شَرِيكَيْهِ بِأَلْفٍ، فَاشْتَرَى بِهِ نِصْفَ نَصِيبِ الثَّالِثِ، لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ شُفْعَةٌ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ رَبُّ الْمَالِ، وَالْآخَرَ الْعَامِلُ، فَهُمَا كَالشَّرِيكَيْنِ فِي الْمَتَاعِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ شُفْعَةً. وَإِنْ بَاعَ الثَّالِثُ بَاقِي نَصِيبِهِ لِأَجْنَبِيٍّ، كَانَتْ الشُّفْعَةُ مُسْتَحَقَّةً بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا، لِرَبِّ الْمَالِ خُمْسَاهَا، وَلِلْعَامِلِ خُمْسَاهَا، وَلِمَالِ الْمُضَارَبَةِ خُمْسُهَا بِالسُّدُسِ الَّذِي لَهُ، فَيُجْعَلُ مَالُ الْمُضَارَبَةِ كَشَرِيكٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ مُتَمَيِّزٌ عَنْ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

[فَصْلٌ دَارٌ بَيْن ثَلَاثَةٍ فَاشْتَرَى أَجْنَبِيٌّ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ فَطَالَبَهُ أَحَدُهُمْ بِالشُّفْعَةِ فَقَالَ إنَّمَا اشْتَرَيْته لِشَرِيكِك]

(٤٠٩٦) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ أَثْلَاثًا، فَاشْتَرَى أَجْنَبِيٌّ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ، فَطَالَبَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِالشُّفْعَةِ، فَقَالَ: إنَّمَا اشْتَرَيْته لِشَرِيكِك. لَمْ تُؤَثِّرْ هَذِهِ الدَّعْوَى فِي قَدْرَ مَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الشُّفْعَةِ، فَإِنَّ الشُّفْعَةَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَيْنِ، سَوَاءٌ اشْتَرَاهَا الْأَجْنَبِيُّ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ.

وَإِنْ تَرَكَ الْمُطَالِبُ بِالشُّفْعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>