للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَقَّهُ مِنْهَا، بِنَاءً عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ، لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ. وَإِنْ أَخَذَ نِصْفَ الْمَبِيعِ لِذَلِكَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ كَذِبُ الْمُشْتَرِي، وَعَفَا الشَّرِيكُ عَنْ شُفْعَتِهِ، فَلَهُ أَخْذُ نَصِيبِهِ مِنْ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى أَخْذِ النِّصْفِ بُنِيَ عَلَى خَبَرِ الْمُشْتَرِي، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ، وَاسْتَحَقَّ أَخْذَ الْبَاقِي لِعَفْوِ شَرِيكِهِ عَنْهُ.

وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ أَخْذِ الْبَاقِي، سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَبْعِيضَ صَفْقَةِ الْمُشْتَرِي. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَسْقُطَ حَقُّهُ مِنْ النِّصْفِ الَّذِي أَخَذَهُ، وَلَا يَبْطُلَ أَخْذُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي أَقَرَّ بِمَا تَضَمَّنَ اسْتِحْقَاقَهُ لِذَلِكَ، فَلَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ عَنْ إقْرَارِهِ. وَإِنْ أَنْكَرَ الشَّرِيكُ كَوْنِ الشِّرَاءِ لَهُ وَعَفَا عَنْ شُفْعَتِهِ، وَأَصَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْإِقْرَارِ لِلشَّرِيكِ بِهِ، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ، وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى النِّصْفِ؛ لِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي لَهُ بِاسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ.

[فَصْلٌ قَالَ أُحُد الشَّفِيعَيْنِ لِلْمُشْتَرِي شِرَاؤُك بَاطِلٌ]

(٤٠٩٧) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ أَحَدُ الشَّفِيعَيْنِ لِلْمُشْتَرِي: شِرَاؤُك بَاطِلٌ. وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ صَحِيحٌ. فَالشُّفْعَةُ كُلُّهَا لِلْمُعْتَرِفِ بِالصِّحَّةِ. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: مَا اشْتَرَيْته، إنَّمَا اتَّهَبْته. وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ، فَالشُّفْعَةُ لِلْمُصَدِّقِ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ شَرِيكَهُ مُسْقِطُ لِحَقِّهِ بِاعْتِرَافِهِ أَنَّهُ لَا بَيْعَ صَحِيحٌ.

وَلَوْ احْتَالَ الْمُشْتَرِي عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ بِحِيلَةٍ لَا تُسْقِطُهَا، فَقَالَ أَحَدُ الشَّفِيعَيْنِ: قَدْ أَسْقَطْت الشُّفْعَةُ. تَوَفَّرَتْ عَلَى الْآخَرِ، لِاعْتِرَافِ صَاحِبِهِ بِسُقُوطِهَا. وَلَوْ تَوَكَّلَ أَحَدُ الشَّفِيعَيْنِ فِي الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ، أَوْ ضَمِنَ عُهْدَةَ الْمَبِيعِ، أَوْ عَفَا عَنْ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَقَالَ: لَا شُفْعَةَ لِي. كَذَلِكَ تَوَفَّرَتْ عَلَى الْآخَرِ.

وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ لَهُ شُفْعَةً، وَطَالَبَ بِهَا، فَارْتَفَعَا إلَى حَاكِمٍ فَحَكَمَ بِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ تَوَفَّرَتْ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهَا سَقَطَتْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَقَطَتْ بِإِسْقَاطِ الْمُسْتَحِقِّ.

[فَصْلٌ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخِرَ ثُلُثَ دَارِهِ فَأَنْكَرَهُ ثُمَّ صَالَحَهُ عَنْ دَعْوَاهُ بِثُلُثِ دَارٍ أُخْرَى]

(٤٠٩٨) فَصْلٌ: إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ ثُلُثَ دَارِهِ، فَأَنْكَرَهُ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَنْ دَعْوَاهُ بِثُلُثِ دَارٍ أُخْرَى، صَحَّ، وَوَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِي الثُّلُثِ الْمُصَالَحِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَزْعُمُ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي دَعْوَاهُ، وَأَنَّ مَا أَخَذَهُ عِوَضٌ عَنْ الثُّلُثِ الَّذِي ادَّعَاهُ، فَلَزِمَهُ حُكْمُ دَعْوَاهُ وَوَجَبَتْ الشُّفْعَةُ، وَلَا شُفْعَةَ عَلَى الْمُنْكِرِ فِي الثُّلُثِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ لَمْ يَزُلْ، وَإِنَّمَا دَفَعَ ثُلُثَ دَارِهِ إلَى الْمُدَّعِي اكْتِفَاءً لِشَرِّهِ، وَدَفْعًا لِضَرَرِ الْخُصُومَةِ وَالْيَمِينِ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ فِيهِ شُفْعَةٌ.

وَإِنْ قَالَ الْمُنْكِرُ لِلْمُدَّعِي: خُذْ الثُّلُثَ الَّذِي تَدَّعِيه بِثُلُثِ دَارِكَ. فَفَعَلَ، فَلَا شُفْعَةَ عَلَى الْمُدَّعِي فِيمَا أَخَذَهُ، وَعَلَى الْمُنْكِرِ الشُّفْعَةُ فِي الثُّلُثِ الَّذِي أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ الثَّابِتِ لَهُ. وَقَالَ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ: تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي الثُّلُثِ الَّذِي أَخَذَهُ الْمُدَّعِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا مُعَاوَضَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِشِقْصَيْنِ، فَوَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِيهِمَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ بَيْنَ مُقِرَّيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>