للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ شُعَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧] فَجَعَلَ النِّكَاحَ عِوَضَ الْإِجَارَةِ

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ: لَا تَجُوزُ إجَارَةُ دَارٍ بِسُكْنَى أُخْرَى، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ، كَسُكْنَى دَارٍ بِمَنْفَعَةِ بَهِيمَةٍ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ عِنْدِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ. وَكَرِهَ الثَّوْرِيُّ الْإِجَارَةَ بِطَعَامٍ مَوْصُوفٍ. وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ، فَجَازَ فِي الْإِجَارَةِ، كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي الْإِجَارَةِ لَيْسَتْ فِي تَقْدِيرِ النَّسِيئَةِ، وَلَوْ كَانَتْ نَسِيئَةً مَا جَازَ فِي جِنْسَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعَ دَيْنٍ بِدِينٍ.

[فَصْلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَسْلُخَ لَهُ بَهِيمَةً بِجِلْدِهَا]

(٤١٦٣) فَصْلٌ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَسْلُخَ لَهُ بَهِيمَةً بِجِلْدِهَا، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ هَلْ يَخْرُجُ الْجِلْدُ سَلِيمًا أَوْ لَا، وَهَلْ هُوَ ثَخِينٌ أَوْ رَقِيقٌ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْإِجَارَةِ، كَسَائِرِ الْمَجْهُولَاتِ. فَإِنْ سَلَخَهُ بِذَلِكَ، فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِطَرْحِ مَيْتَةٍ بِجِلْدِهَا، فَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَقَدْ خَرَجَ بِمَوْتِهِ عَنْ كَوْنِهِ مِلْكًا. وَإِنْ فَعَلَ، فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ أَيْضًا.

[فَصْلٌ اسْتَأْجَرَ رَاعِيًا لِغَنَمِ بِثُلُثِ دَرِّهِمَا وَنَسْلِهَا وَصُوفِهَا وَشَعْرِهَا]

(٤١٦٤) فَصْلٌ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَاعِيًا لِغَنَمٍ بِثُلُثِ دَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَصُوفِهَا وَشَعْرِهَا، أَوْ نِصْفِهِ، أَوْ جَمِيعِهِ، لَمْ يَجُزْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّسَائِيّ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَلَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ. وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنِ سَعِيدٍ: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يَدْفَعُ الْبَقَرَةَ إلَى الرَّجُلِ، عَلَى أَنْ يَعْلِفَهَا وَيَتَحَفَّظَهَا، وَمَا وَلَدَتْ مِنْ وَلَدٍ بَيْنَهُمَا. فَقَالَ: أَكْرَهُ ذَلِكَ

وَبِهِ قَالَ أَبُو أَيُّوبَ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِوَضَ مَجْهُولٌ مَعْدُومٌ، وَلَا يُدْرَى أَيُوجَدُ أَمْ لَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ جَوَّزْتُمْ دَفْعَ الدَّابَّةِ إلَى مَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ رِبْحِهَا. قُلْنَا: إنَّمَا جَازَ ثَمَّ تَشْبِيهًا بِالْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهَا عَيْنٌ تُنَمَّى بِالْعَمَلِ، فَجَازَ اشْتِرَاطُ جُزْءٍ مِنْ النَّمَاءِ، وَالْمُسَاقَاةُ كَالْمُضَارَبَةِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ الْحَاصِلَ فِي الْغَنَمِ لَا يَقِفُ حُصُولُهُ عَلَى عَمَلِهِ فِيهَا، فَلَمْ يُمْكِنْ إلْحَاقُهُ بِذَلِكَ

وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى رِعَايَتهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً، بِنِصْفِهَا، أَوْ جُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْهَا، صَحَّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ وَالْأَجْرَ وَالْمُدَّةَ مَعْلُومٌ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ جَعَلَ الْأَجْرَ دَرَاهِمَ، وَيَكُونُ النَّمَاءُ الْحَاصِلُ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ الْمِلْكِ، لِأَنَّهُ مَلَكَ الْجُزْءَ الْمَجْعُولَ لَهُ مِنْهَا فِي الْحَالِ، فَيَكُونُ لَهُ نَمَاؤُهُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ.

[فَصْلٌ الْإِجَارَةَ إذَا تَمَّتْ وَكَانَتْ عَلَى مُدَّةٍ]

(٤١٦٥) فَصْلٌ: الْحُكْمُ الرَّابِعُ أَنَّ الْإِجَارَةِ إذَا تَمَّتْ، وَكَانَتْ عَلَى مُدَّةٍ، مَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنَافِعَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا إلَى الْمُدَّةِ، وَيَكُونُ حُدُوثُهَا عَلَى مِلْكِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ، وَلَا يَمْلِكُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>