للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللُّزُومِ. وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ، أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ اسْمٍ لِلْعَدَدِ، فَإِذَا لَمْ يُقَدِّرْهُ كَانَ مُبْهَمًا مَجْهُولًا، فَيَكُونُ فَاسِدًا، كَمَا لَوْ قَالَ: أَجَرْتُك مُدَّةً أَوْ شَهْرًا

وَحَمَلَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ حَامِدٍ كَلَامَ أَحْمَدَ فِي هَذَا عَلَى أَنَّ الْإِجَارَة وَقَعَتْ عَلَى أَشْهُرٍ مُعَيَّنَةٍ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ «، أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَقَى لِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، وَجَاءَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ مِنْهُ قَالَ عَلِيٌّ: كُنْت أَدْلُو الدَّلْوَ بِتَمْرَةٍ وَأَشْتَرِطُهَا جَلْدَةً» . وَعَنْ «رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ قَالَ لِيَهُودِيٍّ: أَسْقِي نَخْلَك؟ قَالَ: نَعَمْ، كُلُّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ. وَاشْتَرَطَ الْأَنْصَارِيُّ أَنْ لَا يَأْخُذَهَا خَدِرَةً وَلَا تَارِزَةً وَلَا حَشَفَةً، وَلَا يَأْخُذَ إلَّا جَلْدَةً. فَاسْتَقَى بِنَحْوٍ مِنْ صَاعَيْنِ، فَجَاءَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ ". وَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا

وَلِأَنَّ شُرُوعَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْعَقْدِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ أَجْرِهِ وَالرِّضَى بِبَذْلِهِ بِهِ جَرَى مَجْرَى ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، وَصَارَ كَالْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ، إذَا جَرَى مِنْ الْمُسَاوَمَةِ مَا دَلَّ عَلَى التَّرَاضِي بِهَا. فَعَلَى هَذَا، مَتِّي تُرِكَ التَّلَبُّسُ بِهِ فِي شَهْرٍ، لَمْ تَثْبُتْ الْإِجَارَةُ فِيهِ؛ لِعَدَمِ الْعَقْدِ. وَإِنْ فُسِخَ، فَكَذَلِكَ، وَلَيْسَ بِفَسْخٍ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مَا ثَبَتَ. فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، فَذَهَبَ إلَى أَنَّهُمَا إذَا تَلَبَّسَا بِالشَّهْرِ الثَّانِي فَقَدْ اتَّصَلَ الْقَبْضُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ. وَهُوَ عُذْرٌ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَلْزَمُ بِالْقَبْضِ، وَلَا يُضْمَنُ بِالْمُسَمَّى، ثُمَّ لَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ هَا هُنَا إلَّا فِيمَا اسْتَوْفَاهُ

وَقَوْلُ مَالِكٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جَائِزَةً.

[فَصْلٌ قَالَ أَجَرْتُك دَارِي عِشْرِينَ شَهْرًا كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمِ]

(٤١٧٠) فَصْلٌ: إذَا قَالَ: أَجَّرْتُك دَارِي عِشْرِينَ شَهْرًا، كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ مَعْلُومَةٌ، وَأَجْرَهَا مَعْلُومٌ، وَلَيْسَ لَوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخٌ بِحَالِ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: آجَرْتُك عِشْرِينَ شَهْرًا، بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا. وَإِنْ قَالَ: أَجَرْتُكهَا شَهْرًا بِدِرْهَمٍ، وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ صَحَّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ أَفْرَدَهُ بِالْعَقْدِ، وَبَطَلَ فِي الزَّائِدِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ تَلَبَّسَ بِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَجَرْتُكهَا كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ. لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ

وَلَوْ قَالَ: أَجَرْتُكهَا هَذَا الشَّهْرَ بِدِرْهَمٍ. وَكُلُّ شَهْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِدِرْهَمٍ. أَوْ قَالَ: بِدِرْهَمَيْنِ. صَحَّ فِي الْأَوَّلِ، وَفِيمَا بَعْدَهُ وَجْهَانِ.

[فَصْلٌ الْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ]

(٤١٧١) فَصْلٌ: وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، لَيْسَ لَوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ

<<  <  ج: ص:  >  >>