للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّ عَدَدَ الْغُرُزَاتِ مَجْهُولٌ. وَقَوْلُهُ: إنَّ مَحَلَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ

قُلْنَا: هُوَ مُتَقَارِبٌ، فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّتَهُ، كَمَوْضِعِ الْخِيَاطَةِ مِنْ حَاشِيَةِ الثَّوْبِ. وَالْأَجْرُ عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: هُوَ عَلَى الْمُسْتَوْفِي، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، فَلَيْسَ عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ إلَّا التَّمْكِينُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَمَرَةَ نَخْلِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَجْرٌ يَجِبُ لِإِيفَاءِ حَقٍّ، فَكَانَ عَلَى الْمُوَفِّي، كَأَجْرِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ. وَمَا ذَكَرُوهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّ الْقَطْعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَكَّنَهُ مِنْ الْقَطْعِ فَلَمْ يَقْطَعْ، وَقَطَعَهُ آخَرُ، لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ صَاحِبِ الْقِصَاصِ، وَلَوْ كَانَ التَّمْكِينُ تَسْلِيمًا، لَسَقَطَ حَقُّهُ كَالثَّمَرَةِ.

[فَصْل اسْتِئْجَار رَجُلٍ لِيَدُلّهُ عَلَى طَرِيقٍ]

(٤١٩٦) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ رَجُلٍ لِيَدُلَّهُ عَلَى طَرِيقٍ «؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ، اسْتَأْجَرَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُرَيْقِطٍ هَادِيًا خِرِّيتًا، وَهُوَ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ، لِيَدُلَّهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ» . وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ كَيَّالٍ، وَوَزَّانٍ، لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ، أَوْ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ. وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا

وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ سُوَيْد بْنِ قَيْسٍ: «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاشْتَرَى مِنَّا رَجُلٌ سَرَاوِيلَ، وَثَمَّ رَجُلٌ يَزِنُ بِأَجْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: زِنْ وَأَرْجِحْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ رَجُلٍ لِيُلَازِمَ غَرِيمًا يَسْتَحِقُّ مُلَازَمَتَهُ. وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ قَدْ شَغَلَهُ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: غَيْرُ هَذَا أَعْجَبُ إلَيَّ. كَرِهَهُ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْخُصُومَةِ، وَفِيهِ تَضْيِيقٌ عَلَى مُسْلِمٍ، وَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ ظَالِمًا، فَيُسَاعِدَهُ عَلَى ظُلْمِهِ، لَكِنَّهُ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُحِقٌّ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِحَقٍّ، وَلِهَذَا أَجَزْنَا لِلْمُوَكِّلِ فِعْلَهُ.

[فَصْل اسْتَأْجَرَ سِمْسَارًا يَشْتَرِي لَهُ ثِيَابًا]

(٤١٩٧) فَصْل: وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ سِمْسَارًا، يَشْتَرِي لَهُ ثِيَابًا، وَرَخَّصَ فِيهِ ابْنُ سِيرِينَ، وَعَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ. وَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ، وَحَمَّادٌ. وَلَنَا أَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ، تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهَا، فَجَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا، كَالْبِنَاءِ. وَيَجُوزُ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، مِثْلِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ يَشْتَرِي لَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ مَعْلُومَةٌ، وَالْعَمَلَ مَعْلُومٌ، أَشْبَهَ الْخَيَّاطَ وَالْقَصَّارَ. فَإِنْ عَيَّنَ الْعَمَلَ دُونَ الزَّمَانِ، فَجَعَلَ لَهُ مِنْ كُلِّ أَلْفِ دِرْهَمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا، صَحَّ أَيْضًا

وَإِنْ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>