للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ مَاتَ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي أَوْ أَحَدُهُمَا]

(٤٢٠٠) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِذَا مَاتَ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي، أَوْ أَحَدُهُمَا، فَالْإِجَارَةُ بِحَالِهَا) هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَالْبَتِّيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاللَّيْثُ: تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ يَتَعَذَّرُ بِالْمَوْتِ، لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ اسْتِيفَاءَهَا عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ، فَإِذَا مَاتَ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ الْعَيْنِ، فَانْتَقَلَتْ إلَى وَرَثَتِهِ، فَالْمَنَافِعُ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُسْتَأْجِرُ اسْتِيفَاءَهَا؛ لِأَنَّهُ مَا عَقَدَ مَعَ الْوَارِثِ، وَإِذَا مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ، لَمْ يُمْكِنْ إيجَابُ الْأَجْرِ فِي تَرِكَتِهِ

وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ، فَلَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْعَاقِدِ، مَعَ سَلَامَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ مَاتَ. وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَدْ مَلَكَ الْمَنَافِعَ، وَمُلِكَتْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً فِي وَقْتِ الْعَقْدِ. ثُمَّ يَلْزَمُهُمْ مَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ مَاتَ. وَلَوْ صَحَّ مَا ذَكَرُوهُ لَكَانَ وُجُوبُ الْأَجْرِ هَاهُنَا بِسَبَبٍ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ، فَوَجَبَ فِي تَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا، فَوَقَعَ فِيهَا شَيْءٌ بَعْدَ مَوْتِهِ، ضَمِنَهُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، كَذَا هَاهُنَا.

[فَصْلٌ مَاتَ الْمُكْتَرِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ كَانَ غَائِبًا]

(٤٢٠١) فَصْلٌ: وَإِنْ مَاتَ الْمُكْتَرِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، أَوْ كَانَ غَائِبًا، كَمَنْ يَمُوتُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، وَيَخْلُفُ جَمَلَهُ الَّذِي اكْتَرَاهُ، وَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَحْمِلُهُ، وَلَا وَارِثَ لَهُ حَاضِرٌ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرٌ غَالِبٌ، يَمْنَعُ الْمُسْتَأْجِرَ عَنْ مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ غُصِبَتْ، وَلِأَنَّ بَقَاءَ الْعَقْدِ ضَرَرٌ فِي حَقِّ الْمُكْتَرِي وَالْمُكْرِي؛ لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ، وَالْمُكْرِيَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ، مَعَ ظُهُورِ امْتِنَاعِ الْكِرَاءِ عَلَيْهِ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ، فِي رَجُلٍ اكْتَرَى بَعِيرًا، فَمَاتَ الْمُكْتَرِي فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَإِنْ رَجَعَ الْبَعِيرُ خَالِيًا، فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا وَجَبَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ثِقَلُهُ وَوِطَاؤُهُ، فَلَهُ الْكِرَاءُ إلَى الْمَوْضِعِ

وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ حَكَمَ بِفَسْخِ الْعَقْدِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ، إذَا مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ، وَلَمْ يَبْقَ بِهِ انْتِفَاعٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اكْتَرَى مِنْ يَقْلَعُ لَهُ ضِرْسَهُ، فَبَرَأَ، أَوْ انْقَلَعَ قَبْلَ قَلْعِهِ، أَوْ اكْتَرَى كَحَّالًا لِيُكَحِّلَ عَيْنَهُ، فَبَرَأَتْ، أَوْ ذَهَبَتْ. وَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مِنْ وَرَثَتِهِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمَوْرُوثِ. وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي عَلَى أَنَّ الْمُكْرِيَ قَبَضَ الْبَعِيرَ، وَمَنَعَ الْوَرَثَةَ الِانْتِفَاعَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِعُذْرٍ فِي الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ سَلَامَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ حُبِسَ مُسْتَأْجِرُ الدَّارِ، وَمُنِعَ مِنْ سُكْنَاهَا

وَلَا يَصِحُّ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَ الْوَارِثَ الِانْتِفَاعَ، لَمَا اسْتَحَقَّ شَيْئًا مِنْ الْأَجْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>