للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا تَسَلَّمَ الْأَرْضَ. وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَمْحَ لِتُقَدَّرَ بِهِ الْمَنْفَعَةُ، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا لِيَسْكُنَهَا، كَانَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا غَيْرَهُ. وَفَارَقَ الْمَرْكُوبَ وَالدَّرَاهِمَ فِي الثَّمَنِ، فَإِنَّهُمَا مَعْقُودٌ عَلَيْهِمَا، فَتَعَيَّنَا وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هَاهُنَا مَنْفَعَةٌ مُقَدَّرَةٌ، وَقَدْ تَعَيَّنَتْ أَيْضًا، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ مَا قُدِّرَتْ بِهِ، كَمَا لَا يَتَعَيَّنُ الْمِكْيَالُ وَالْمِيزَانُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ.

(٤٢٢٣) الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ، قَالَ: لِيَزْرَعَهَا حِنْطَةً، وَمَا ضَرَرُهُ كَضَرَرِهَا، أَوْ دُونَهُ

فَهَذِهِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، إلَّا أَنَّهُ لَا مُخَالِفَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ مَا اقْتَضَاهُ الْإِطْلَاقُ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ تَصْرِيحُ نَصِّهِ، فَزَالَ الْإِشْكَالُ. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ، قَالَ: لِيَزْرَعَهَا حِنْطَةً، وَلَا يَزْرَعَ غَيْرَهَا. فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ كَيْفَ شَاءَ، فَلَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ، كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءَ الْمَبِيعِ بِنَفْسِهِ، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَلَا غَرَضَ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، لِأَنَّ مَا ضَرَرُهُ مِثْلُهُ، لَا يَخْتَلِفُ فِي غَرَضِ الْمُؤَجِّرِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْعَقْدِ، فَأَشْبَهَ شَرْطَ اسْتِيفَاءِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ بِنَفْسِهِ

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا إذَا شَرَطَ مُكْتَرِي الدَّارِ أَنَّهُ لَا يُسْكِنُهَا غَيْرَهُ، وَجْهًا فِي صِحَّةِ الشَّرْطِ، وَوَجْهًا آخَرَ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ، فَيَخْرُجُ هَاهُنَا مِثْلُهُ.

[فَصْلٌ أَكْرَى الْأَرْض لِلْغِرَاسِ]

(٤٢٢٥) فَصْلٌ: وَإِنْ أَكْرَاهَا لِلْغِرَاسِ؛ فَفِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسَائِلِ، إلَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الزَّرْعِ أَقَلُّ مِنْ ضَرَرِ الْغِرَاسِ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِهِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَضُرُّ بِبَاطِنِ الْأَرْضِ. وَلَيْسَ لَهُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ مُخَالِفٌ لِضَرَرِهِ، فَإِنَّهُ يَضُرُّ بِظَاهِرِ الْأَرْضِ. وَإِنْ أَكْرَاهَا لِلزَّرْعِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْغَرْسُ وَلَا الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْغَرْسِ أَكْثَرُ، وَضَرَرَ الْبِنَاءِ مُخَالِفٌ لِضَرَرِهِ. وَإِنْ أَكْرَاهَا لِلْبِنَاءِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْغَرْسُ وَلَا الزَّرْعُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا يُخَالِفُ ضَرَرَهُ.

[فَصْلٌ لَا تَخْلُو الْأَرْضُ الْمُؤَجَّرَة مِنْ قِسْمَيْنِ]

(٤٢٢٦) فَصْلٌ: وَلَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَاءٌ دَائِمٌ، إمَّا مِنْ نَهْرٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِانْقِطَاعِهِ، أَوْ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا مُدَّةً لَا يُؤَثِّرُ فِي الزَّرْعِ، أَوْ مِنْ عَيْنٍ نَابِعَةٍ، أَوْ بِرْكَةٍ مِنْ مِيَاهِ الْأَمْطَارِ يَجْتَمِعُ فِيهَا ثُمَّ يَسْقِي بِهِ، أَوْ مِنْ بِئْرٍ يَقُومُ بِكِفَايَتِهَا، أَوْ مَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ لِنَدَاوَةِ الْأَرْضِ، وَقُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي تَحْتَ الْأَرْضِ، فَهَذَا كُلُّهُ دَائِمٌ. وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُهَا لِلْغَرْسِ وَالزَّرْعِ

بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ

وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ الَّتِي تَشْرَبُ مِنْ مِيَاهِ الْأَمْطَارِ، وَيُكْتَفَى بِالْمُعْتَادِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْعَادَةِ، وَلَا يَنْقَطِعُ إلَّا نَادِرًا، فَهُوَ كَسَائِرِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ.

الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ، وَهِيَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا مَا يَشْرَبُ مِنْ زِيَادَةٍ مُعْتَادَةِ تَأْتِي فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ، كَأَرْضِ مِصْرَ الشَّارِبَةِ مِنْ زِيَادَةِ النِّيلِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>