للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَزُولُ عَنْهُ، كَسَائِرِ الْغَرْسِ

وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى بَيْعِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لِلْمَالِكِ، جَازَ. وَإِنْ بَاعَهُمَا صَاحِبُهُمَا لِغَيْرِ مَالِكِ الْأَرْضِ، جَازَ، وَمُشْتَرِيهِمَا يَقُومُ فِيهِمَا مَقَامَ الْبَائِعِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ: لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُمَا لِغَيْرِ مَالِكِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ضَعِيفٌ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ تَمَلُّكَهُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ

وَلَنَا أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ، يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، فَجَازَ لِغَيْرِهِ، كَشِقْصٍ مَشْفُوعٍ، وَبِهَذَا يَبْطُلُ مَا ذَكَرُوهُ؛ فَإِنَّ لِلشَّفِيعِ تَمَلُّكَ الشِّقْصِ وَشِرَاءَهُ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ لِغَيْرِهِ. فَأَمَّا إنْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ تَبْقِيَةَ الْغِرَاسِ، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ سَوَاءً. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الزَّرْعِ الَّذِي لَا يَكْمُلُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَلِأَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَهُوَ مُؤَثِّرٌ، فَأَبْطَلَهُ، كَشَرْطِ تَبْقِيَةِ الزَّرْعِ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ.

[مَسْأَلَة اسْتِئْجَار الْأَجِيرَ بِطَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ]

(٤٢٣٢) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَجِيرَ بِطَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ، فِي مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِطَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ، أَوْ جَعَلَ لَهُ أَجْرًا، وَشَرَطَ طَعَامَهُ وَكِسْوَتَهُ، فَرُوِيَ عَنْهُ جَوَازُ ذَلِكَ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَإِسْحَاقَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ اسْتَأْجَرُوا الْأُجَرَاءَ بِطَعَامِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الظِّئْرِ دُونَ غَيْرِهَا. اخْتَارَهَا الْقَاضِي

وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ؛ وَإِنَّمَا جَازَ فِي الظِّئْرِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣] . فَأَوْجَبَ لَهُنَّ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ عَلَى الرَّضَاعِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ وَغَيْرِهَا، بَلْ فِي الْآيَةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى طَلَاقِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ تَجِبُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَإِنْ لَمْ تُرْضِعْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] . وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِزَوْجٍ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي الْحَضَانَةِ وَالرَّضَاعِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضُهَا كَذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِحَالٍ، لَا فِي الظِّئْرِ وَلَا فِي غَيْرِهَا

وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>