للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا مُتَبَايِنًا، فَيَكُونُ مَجْهُولًا، وَالْأَجْرُ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا. وَلَنَا: مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ النُّدَّرِ، قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَرَأَ طس حَتَّى بَلَغَ قِصَّةَ مُوسَى، قَالَ: إنَّ مُوسَى آجَرَ نَفْسَهُ ثَمَانِيَ سِنِينَ أَوْ عَشْرًا، عَلَى عِفَّةِ فَرْجِهِ، وَطَعَامِ بَطْنِهِ» . وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا، مَا لَمْ يَثْبُتُ نَسْخُهُ

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: كُنْت أَجِيرًا لِابْنَةِ غَزْوَانَ بِطَعَامِ بَطْنِي، وَعُقْبَةِ رِجْلِي، أَحْطِبُ لَهُمْ إذَا نَزَلُوا، وَأَحْدُو بِهِمْ إذَا رَكِبُوا. وَلِأَنَّ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فَعَلُوهُ، فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ نَكِيرٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الظِّئْرِ بِالْآيَةِ، فَيَثْبُتُ فِي غَيْرِهَا بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّهُ عِوَضُ مَنْفَعَةٍ، فَقَامَ الْعُرْفُ فِيهِ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ، كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَلِأَنَّ لِلْكِسْوَةِ عُرْفًا، وَهِيَ كِسْوَةُ الزَّوْجَاتِ، وَلِلْإِطْعَامِ عُرْفٌ، وَهُوَ الْإِطْعَامُ فِي الْكَفَّارَاتِ، فَجَازَ إطْلَاقُهُ، كَنَقْدِ الْبَلَدِ. وَنَخُصُّ أَبَا حَنِيفَةَ بِأَنَّ مَا كَانَ عِوَضًا فِي الرَّضَاعِ جَازَ فِي الْخِدْمَةِ كَالْأَثْمَانِ

إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُمَا إنْ تَشَاحَّا فِي مِقْدَارِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، رُجِعَ فِي الْقُوتِ إلَى الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَفِي الْكِسْوَةِ إلَى أَقَلِّ مَلْبُوسِ مِثْلِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا تَشَاحَّا فِي الطَّعَامِ، يُحْكَمُ لَهُ بِمُدٍّ كُلَّ يَوْمٍ. ذَهَبَ إلَى ظَاهِرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إطْعَامِ الْمَسَاكِينِ، فَفَسَّرَتْ ذَلِكَ السُّنَّةُ بِأَنَّهُ مُدٌّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ. وَلِأَنَّ الْإِطْعَامَ مُطْلَقٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَمَا فُسِّرَ بِهِ أَحَدُهُمَا يُفَسَّرُ بِهِ الْآخَرُ. وَلَيْسَ لَهُ إطْعَامُ الْأَجِيرِ إلَّا مَا يُوَافِقُهُ مِنْ الْأَغْذِيَةِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا، وَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْوَاجِبِ لَهُ مِنْهُ.

[فَصْلٌ شَرَطَ الْأَجِيرُ كِسْوَةً وَنَفَقَةً مَعْلُومَةً مَوْصُوفَةً]

(٤٢٣٣) فَصْلٌ: وَإِنْ شَرَطَ الْأَجِيرُ كِسْوَةً وَنَفَقَةً مَعْلُومَةً مَوْصُوفَةً، كَمَا يُوصَفُ فِي السَّلَمِ، جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ الْجَمِيعِ. وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ طَعَامًا وَلَا كِسْوَةً، فَنَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَكَذَلِكَ الظِّئْرُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ خِلَافًا فِيمَا ذَكَرْت. وَإِنْ شَرَطَ لِلْأَجِيرِ طَعَامَ غَيْرِهِ وَكِسْوَتَهُ مَوْصُوفًا، جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً، وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلْأَجِيرِ، إنْ شَاءَ أَطْعَمَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ، اُحْتُمِلَ فِيمَا إذَا شَرَطَهُ لِلْأَجِيرِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ احْتِمَالُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>