للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ لَمْ يَعْلَم الْقَابِضُ حَتَّى قَطَعَهُ وَلَبِسَهُ، ثُمَّ عَلِمَ، رَدَّهُ مَقْطُوعًا، وَضَمِنَ أَرْشَ الْقَطْعِ، وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِثَوْبِهِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا. وَإِنْ هَلَكَ عِنْدَ الْقَصَّارِ، فَهَلْ يَضْمَنُهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ بَعْدَ طَلَبِهِ، فَضَمِنَهُ، كَمَا لَوْ عَلِمَ. وَالثَّانِيَةُ لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْهُ رَدُّهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَجَزَ عَنْ دَفْعِهِ لِمَرَضٍ.

[فَصْلٌ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ]

(٤٢٨٩) فَصْلٌ: وَالْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، إنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، لَمْ يَضْمَنْهَا. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ الَّذِينَ يُكْرُونَ الْمُظِلَّ أَوْ الْخَيْمَةَ إلَى مَكَّةَ، فَيَذْهَبُ مِنْ الْمُكْتَرِي بِسُرُقٍ أَوْ بِذَهَابٍ، هَلْ يَضْمَنُ؟ قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَضْمَنَ، وَكَيْفَ يَضْمَنُ؟ إذَا ذَهَبَ لَا يَضْمَنُ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْعَيْنَ لِاسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةٍ يَسْتَحِقُّهَا مِنْهَا، فَكَانَتْ أَمَانَةً، كَمَا لَوْ قَبَضَ الْعَبْدَ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ سَنَةً، أَوْ قَبَضَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ الْأَمَةَ

وَيُخَالِفُ الْعَارِيَّةُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهَا، وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، فَعَلَيْهِ رَفْعُ يَدِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ الرَّدُّ. أَوْمَأَ إلَيْهِ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، فَقِيلَ لَهُ: إذَا اكْتَرَى دَابَّةً، أَوْ اسْتَعَارَ، أَوْ اسْتَوْدَعَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَهُ؟ فَقَالَ أَحْمَدُ: مَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا، فَعَلَيْهِ رَدُّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذَهُ. فَأَوْجَبَ الرَّدَّ فِي الْعَارِيَّةُ، وَلَمْ يُوجِبْهُ فِي الْإِجَارَةِ الْوَدِيعَةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَقْتَضِي الضَّمَانَ، فَلَا يَقْتَضِي رَدَّهُ وَمُؤْنَتَهُ، كَالْوَدِيعَةِ. وَفَارَقَ الْعَارِيَّةُ؛ فَإِنَّ ضَمَانَهَا يَجِبُ، فَكَذَلِكَ رَدُّهَا. وَعَلَى هَذَا مَتَى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً، كَالْوَدِيعَةِ، إنْ تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِي إمْسَاكِهَا، أَشْبَهَ الْعَارِيَّةُ الْمُؤَقَّتَةَ بَعْدَ وَقْتِهَا. وَلَنَا أَنَّهَا أَمَانَةٌ أَشْبَهَتْ الْوَدِيعَةَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ ضَمَانُهَا لَوَجَبَ رَدُّهَا. وَأَمَّا الْعَارِيَّةُ فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ فِي كُلِّ حَالٍ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ رَدُّهَا. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، مَتَى طَلَبَهَا صَاحِبُهَا وَجَبَ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ رَدِّهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ، صَارَتْ مَضْمُونَةً، كَالْمَغْصُوبَةِ.

[فَصْلٌ شَرَطَ الْمُؤْجِرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ضَمَانَ الْعَيْنِ]

(٤٢٩٠) فَصْلٌ: فَإِنْ شَرَطَ الْمُؤْجِرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ضَمَانَ الْعَيْنِ، فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ. وَهَلْ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ بِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَة فِي الْبَيْعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>