للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَحْمَدُ، فِيمَا إذَا شَرَطَ ضَمَانَ الْعَيْنِ: الْكِرَاءُ وَالضَّمَانُ مَكْرُوهٌ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَا يَصْلُحُ الْكِرَاءُ بِالضَّمَانِ. وَعَنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: لَا نَكْتَرِي بِضَمَانٍ، إلَّا أَنَّهُ مَنْ شَرَطَ عَلَى كَرِيٍّ أَنَّهُ لَا يُنْزِلُ مَتَاعَهُ بَطْنَ وَادٍ، أَوْ لَا يَسِيرُ بِهِ لَيْلًا، مَعَ أَشْبَاهِ هَذِهِ الشُّرُوطِ، فَتَعَدَّى ذَلِكَ، فَتَلِفَ شَيْءٌ مِمَّا حَمَلَ فِي ذَلِكَ التَّعَدِّي، فَهُوَ ضَامِنٌ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ، فَلَا يَصِحُّ شَرْطُ الضَّمَانِ فِيهِ، وَإِنْ شَرَطَهُ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَجِبُ ضَمَانُهُ لَا يُصَيِّرُهُ الشَّرْطُ مَضْمُونًا، وَمَا يَجِبُ ضَمَانُهُ لَا يَنْتَفِي ضَمَانُهُ بِشَرْطِ نَفْيِهِ.

وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ بِشَرْطِهِ، وَوُجُوبِهِ بِشَرْطِهِ؛ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» . فَأَمَّا إنْ أَكْرَاهُ عَيْنًا، وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسِيرَ بِهَا فِي اللَّيْلِ، أَوْ وَقْتَ الْقَائِلَةِ، أَوْ لَا يَتَأَخَّرَ بِهَا عَنْ الْقَافِلَةِ. أَوْ لَا يَجْعَلَ سَيْرَهُ فِي آخِرِهَا، أَوْ لَا يَسْلُكَ بِهَا الطَّرِيقَ الْفُلَانِيَّةَ، وَأَشْبَاهَ هَذَا مِمَّا لَهُ فِيهِ غَرَضٌ مُخَالِفٌ، ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ لِشَرْطِ كَرْيِهِ، فَضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ، كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَحْمِلَ عَلَيْهَا إلَّا قَفِيزًا، فَحَمَلَ اثْنَيْنِ.

[فَصْلٌ الْعَيْنُ إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ وَلَا تَعَدٍّ لَا تَضَمُّنُ إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً]

(٤٢٩١) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةِ فَاسِدَةً، لَمْ يَضْمَنْ الْعَيْنَ أَيْضًا إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ وَلَا تَعَدٍّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَقْتَضِي الضَّمَانَ صَحِيحُهُ، فَلَا يَقْتَضِيه فَاسِدُهُ، كَالْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ. وَحُكْمُ كُلِّ عَقْدٍ فَاسِدٍ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ، حُكْمُ صَحِيحِهِ، فَمَا وَجَبَ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ وَجَبَ فِي فَاسِدِهِ، وَمَا لَمْ يَجِبْ فِي صَحِيحِهِ لَمْ يَجِبْ فِي فَاسِدِهِ.

[فَصْلٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ ضَرْبُ الدَّابَّةِ]

(٤٢٩٢) فَصْلٌ: وَلِلْمُسْتَأْجِرِ ضَرْبُ الدَّابَّةِ بِقَدْرِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَيَكْبَحُهَا بِاللِّجَامِ لِلِاسْتِصْلَاحِ، وَيَحُثُّهَا عَلَى السَّيْرِ لِيَلْحَقَ الْقَافِلَةَ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَخَسَ بَعِيرَ جَابِرٍ، وَضَرَبَهُ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَخْرِشُ بَعِيرَهُ بِمِحْجَنِهِ. وَلِلرَّائِضِ ضَرْبُ الدَّابَّةِ لِلتَّأْدِيبِ، وَتَرْتِيبِ الْمَشْيِ، وَالْعَدْوِ، وَالسَّيْرِ. وَلِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ الصِّبْيَانِ لِلتَّأْدِيبِ. قَالَ الْأَثْرَمُ: سُئِلَ أَحْمَدُ، عَنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصِّبْيَانَ

قَالَ: عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ، وَيَتَوَقَّى بِجُهْدِهِ الضَّرْبَ، وَإِذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ فَلَا يَضْرِبْهُ. وَمَنْ ضَرَبَ مِنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ الضَّرْبَ الْمَأْذُونَ فِيهِ، لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ. وَبِهَذَا فِي الدَّابَّةِ، قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ، فَضَمِنَهُ، كَغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُعَلِّمِ يَضْرِبُ الصَّبِيَّ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَأَدَّبِيهِ بِغَيْرِ الضَّرْبِ

وَلَنَا أَنَّهُ تَلِفَ مِنْ فِعْلٍ مُسْتَحَقٍّ، فَلَمْ يَضْمَنْ، كَمَا لَوْ تَلِفَ تَحْتَ الْحِمْلِ، وَلِأَنَّ الضَّرْبَ مَعْنًى تَضَمَّنَهُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ، فَإِذَا تَلِفَ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ، كَالرُّكُوبِ. وَفَارَقَ غَيْرَ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: يُمْكِنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>