للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ اسْتِئْجَارُ الْفَهْدِ وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ لِلصَّيْدِ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ]

(٤٣١٣) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْفَهْدِ وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ لِلصَّيْدِ، فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا تَجُوزُ إعَارَتُهُ لَهُ، فَجَازَتْ إجَارَتُهُ لَهُ، كَالدَّابَّةِ. وَتَجُوزُ إجَارَةُ كُتُبِ الْعِلْمِ، الَّتِي يَجُوزُ بَيْعُهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا فِي الْقِرَاءَةِ فِيهَا، وَالنَّسْخِ مِنْهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَتَجُوزُ إجَارَةُ دَرَجٍ فِيهِ خَطٌّ حَسَنٌ، يُكْتَبُ عَلَيْهِ، وَيُتَمَثَّلُ مِنْهُ لِذَلِكَ.

[فَصْلٌ مَا لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ]

(٤٣١٤) فَصْلٌ: وَمَا لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ أَقْسَامٌ: أَحَدُهَا مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، كَالْمَطْعُومِ وَالْمَشْرُوبِ، وَالشَّمْعِ لِيُشْعِلَهُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَهَذِهِ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِإِتْلَافِ عَيْنِهَا، فَإِنْ اسْتَأْجَرَ شَمْعَةً يُسْرِجُهَا، وَيَرُدُّ بَقِيَّتَهَا، وَثَمَنَ مَا ذَهَبَ، وَأَجَّرَ الْبَاقِي، كَانَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ بَيْعًا وَإِجَارَةً، وَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ مَجْهُولٌ، وَإِذَا جُهِلَ الْمَبِيعُ جُهِلَ الْمُسْتَأْجِرُ أَيْضًا، فَيَفْسُدُ الْعَقْدَانِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَمْعًا لِيَتَجَمَّلَ بِهِ، وَيَرُدَّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْعِلَ مِنْهُ شَيْئًا، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَنْفَعَةٍ مَرْعِيَّةٍ فِي الشَّرْعِ، فَبَذْلُ الْمَالِ فِيهِ سَفَهٌ، وَأَخْذُهُ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خُبْزًا لِيَنْظُرَ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ طَعَامًا لِيَتَجَمَّلَ بِهِ عَلَى مَائِدَتِهِ، ثُمَّ يَرُدَّهُ، لَمْ يَجُزْ؛ لِمَا ذَكَرْنَا

وَهَكَذَا سَائِرُ الْأَشْيَاءِ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ مَا لَا يَبْقَى مِنْ الرَّيَاحِينِ، كَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالرِّيحَانِ الْفَارِسِيِّ، وَأَشْبَاهِهِ، لِشَمِّهَا؛ لِأَنَّهَا تَتْلَفُ عَنْ قُرْبٍ، فَأَشْبَهَتْ الْمَطْعُومَاتِ. وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْغَنَمِ، وَلَا الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، لِيَأْخُذَ لَبَنَهَا، وَلَا لِيَسْتَرْضِعَهَا لِسُخَالَةٍ وَنَحْوِهَا، وَلَا اسْتِئْجَارُهَا لِيَأْخُذَ صُوفَهَا، وَلَا شَعْرَهَا، وَلَا وَبَرَهَا، وَلَا اسْتِئْجَارُ شَجَرَةٍ، لِيَأْخُذَ ثَمَرَتَهَا، أَوْ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهَا.

[فَصْلٌ إجَارَةُ الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ]

(٤٣١٥) فَصْلٌ: وَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ. وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْي، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا فِي جَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ مُبَاحٌ، وَالْحَاجَةُ تَدْعُو إلَيْهِ، فَجَازَ، كَإِجَارَةِ الظِّئْرِ لِلرَّضَاعِ، وَالْبِئْرِ لِيَسْتَقِيَ مِنْهَا الْمَاءَ؛ وَلِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ تُسْتَبَاحُ بِالْإِعَارَةِ، فَتُسْتَبَاحُ بِالْإِجَارَةِ، كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ

وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ. وَلَنَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ» : مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ: «نَهَى عَنْ ضِرَابِ الْجَمَلِ» . وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَاءُ الَّذِي يُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ، فَيَكُونُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ لِاسْتِيفَاءِ عَيْنٍ غَائِبَةٍ، فَلَمْ يَجُزْ، كَإِجَارَةِ الْغَنَمِ لِأَخْذِ لَبَنِهَا، وَهَذَا أَوْلَى؛ فَإِنَّ هَذَا الْمَاءَ مُحَرَّمٌ لَا قِيمَةَ لَهُ، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، فَأَشْبَهَ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ. فَأَمَّا مَنْ أَجَازَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُوقِعَ الْعَقْدَ عَلَى الْعَمَلِ، وَيُقَدِّرَهُ بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ

وَقِيلَ: يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى مُدَّةٍ. وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ مِنْ أَرَادَ إطْرَاقَ فَرَسِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>