للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرْطِ: الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَطَاوُسٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ

وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، يَجُوزُ ذَلِكَ. حَكَاهَا أَبُو الْخَطَّابِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: التَّعْلِيمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِهَؤُلَاءِ السَّلَاطِينِ، وَمِنْ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِرَجُلٍ مِنْ عَامَّةِ النَّاسِ فِي ضَيْعَةٍ، وَمِنْ أَنْ يَسْتَدِينَ وَيَتَّجِرَ، لَعَلَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ، فَيَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى بِأَمَانَاتِ النَّاسِ، التَّعْلِيمُ أَحَبُّ إلَيَّ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْعَهُ مِنْهُ فِي مَوْضِعِ مَنْعِهِ لِلْكَرَاهَةِ، لَا لِلتَّحْرِيمِ. وَمِمَّنْ أَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَرَخَّصَ فِي أُجُورِ الْمُعَلِّمِينَ أَبُو قِلَابَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ رَجُلًا بِمَا مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَإِذَا جَازَ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ عِوَضًا فِي بَابِ النِّكَاحِ، وَقَامَ مَقَامَ الْمَهْرِ، جَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» . حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَثَبَتَ «أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَقَى رَجُلًا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى جُعْلٍ فَبَرَأَ، وَأَخَذَ أَصْحَابُهُ الْجُعْلَ، فَأَتَوْا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرُوهُ، وَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لَعَمْرِي لَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ، لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ، كُلُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ»

وَلِذَا جَازَ أَخْذُ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَجَازَ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ، كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى الِاسْتِنَابَةِ فِي الْحَجِّ عَمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَعَجَزَ عَنْ فِعْلِهِ، وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ مُتَبَرِّعٌ بِذَلِكَ، فَيُحْتَاجُ إلَى بَذْلِ الْأَجْرِ فِيهِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، مَا رَوَى عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: «إنَّ آخِرَ مَا عَهِدَ إلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَتَّخِذَ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

وَرَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، قَالَ: عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ، فَأَهْدَى إلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا، قَالَ: قُلْت: قَوْسٌ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ. قَالَ: قُلْت أَتَقَلَّدُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، قَالَ: «إنْ سَرَّك أَنْ يُقَلِّدَك اللَّهُ قَوْسًا مِنْ نَارٍ، فَاقْبَلْهَا» . وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ «عَلَّمَ رَجُلًا سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ، فَأَهْدَى إلَيْهِ خَمِيصَةً أَوْ ثَوْبًا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَوْ أَنَّك لَبِسْتهَا، أَوْ أَخَذَتْهَا، أَلْبَسَك اللَّهُ مَكَانَهَا ثَوْبًا مِنْ نَارٍ»

وَعَنْ أُبَيٍّ، قَالَ: «كُنْت أَخْتَلِفُ إلَى رَجُلٍ مُسِنٍّ، قَدْ أَصَابَتْهُ عِلَّةٌ، قَدْ احْتَبَسَ فِي بَيْتِهِ أُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَكَانَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِمَّا أُقْرِئُهُ يَقُولُ لِجَارِيَةٍ لَهُ: هَلُمِّي بِطَعَامِ أَخِي. فَيُؤْتَى بِطَعَامٍ لَا آكُلُ مِثْلَهُ بِالْمَدِينَةِ، فَحَاكَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ الطَّعَامُ طَعَامَهُ وَطَعَامَ أَهْلِهِ، فَكُلْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ يُتْحِفُك

<<  <  ج: ص:  >  >>