للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّا إذَا حَكَمْنَا بِبَقَاءِ مِلْكِهِ، لَزِمَتْهُ مُرَاعَاتُهُ، وَالْخُصُومَةُ فِيهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ أَرْشُ جِنَايَتِهِ، كَمَا يَفْدِي أُمَّ الْوَلَدِ سَيِّدُهَا لَمَّا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَالِكِ.

[الْفَصْل الثَّانِي يَزُولُ الْمِلْكُ وَيَلْزَمُ الْوَقْفُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ]

(٤٣٦٩) الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْكَلَامِ، أَنَّهُ يَزُولُ الْمِلْكُ، وَيَلْزَمُ الْوَقْفُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَحْصُلُ بِهِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَإِخْرَاجِ الْوَاقِفِ لَهُ عَنْ يَدِهِ. وَقَالَ: الْوَقْفُ الْمَعْرُوفُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ يَدِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَيُوَكِّلَ فِيهِ مَنْ يَقُومُ بِهِ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالٍ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ الْمَالِيَّةِ، فَلَمْ يَلْزَمْ بِمُجَرَّدِهِ، كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ

وَلَنَا مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَالْمِيرَاثَ، فَلَزِمَ بِمُجَرَّدِهِ، كَالْعِتْقِ، وَيُفَارِقُ الْهِبَةَ؛ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ مُطْلَقٌ، وَالْوَقْفُ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ، فَهُوَ بِالْعِتْقِ أَشْبَهُ، فَإِلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى.

[الْفَصْلُ الثَّالِثُ الْوَقْف لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ]

(٤٣٧٠) الْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، كَالْمَسَاكِينِ، أَوْ مَنْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْقَبُولُ كَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ، لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى قَبُولٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَى آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، فَفِي اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا اشْتِرَاطُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لِآدَمِي مُعَيَّنٍ، فَكَانَ مِنْ شَرْطِهِ الْقَبُولُ، كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ إنْ كَانَتْ لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، وُقِفَتْ عَلَى قَبُولِهِ، وَإِذَا كَانَتْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ لِمَسْجِدٍ أَوْ نَحْوِهِ، لَمْ تَفْتَقِرْ إلَى قَبُولٍ، كَذَا هَاهُنَا

وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الْوَقْفِ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ الْقَبُولُ، كَالنَّوْعِ الْآخَرِ، وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَالْمِيرَاثَ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْقَبُولُ، كَالْعِتْقِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَخْتَصُّ الْمُعَيَّنَ، بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ مِنْ يَأْتِي مِنْ الْبُطُونِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى جَمِيعِهِمْ، إلَّا أَنَّهُ مُرَتَّبٌ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ الَّذِي لَا يَبْطُلُ بِرَدِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَا يَقِفُ عَلَى قَبُولِهِ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْمُعَيَّنِ بِخِلَافِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ

فَإِذَا قُلْنَا: لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ. لَمْ يَبْطُلْ بِرَدِّهِ، وَكَانَ رَدُّهُ وَقَبُولُهُ وَعَدَمُهُمَا وَاحِدًا، كَالْعِتْقِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ. فَرَدَّهُ مَنْ وُقِفَ عَلَيْهِ، بَطَلَ فِي حَقِّهِ، وَصَارَ كَالْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ. يُخَرَّجُ فِي صِحَّتِهِ فِي حَقِّ مَنْ سِوَاهُ وَبُطْلَانِهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ، فَهَلْ يَنْتَقِلُ فِي الْحَالِ إلَى مَنْ بَعْدَهُ، أَوْ يُصْرَفُ فِي الْحَالِ إلَى مَصْرِفٍ فِي الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ إلَى أَنْ يَمُوتَ الَّذِي رَدَّهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>