للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَعْجَبُ الْأَمْرَيْنِ إلَيَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ: وَسَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا.

وَهُوَ بِظَاهِرِهِ يُثْبِتُ الْحُكْمَ فِي حَقِّ النَّاسِيَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَفْصِلْهَا، هَلْ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ أَوْ نَاسِيَةٌ؟ وَلَوْ افْتَرَقَ الْحَالُ لَاسْتَفْصَلَ وَسَأَلَ. وَاحْتِمَالُ أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً أَكْثَرُ، فَإِنَّ حَمْنَةَ امْرَأَةٌ كَبِيرَةٌ، كَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ. وَلَمْ يَسْأَلْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَمْيِيزِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَرَى مِنْ كَلَامِهَا، مِنْ تَكْثِيرِ الدَّمِ وَصِفَتِهِ مَا أَغْنَى عَنْ السُّؤَالِ عَنْهُ، وَلَمْ يَسْأَلْهَا هَلْ لَهَا عَادَةٌ فَيَرُدُّهَا إلَيْهَا؟ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ ذَلِكَ، لِعِلْمِهِ إيَّاهُ، إذْ كَانَ مُشْتَهِرًا، وَقَدْ أَمَرَ بِهِ أُخْتَهَا أُمَّ حَبِيبَةَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً؛ وَلِأَنَّ لَهَا حَيْضًا لَا تَعْلَمُ قَدْرَهُ، فَيُرَدُّ إلَى غَالِبِ عَادَاتِ النِّسَاءِ، كَالْمُبْتَدَأَةِ؛ وَلِأَنَّهَا لَا عَادَةَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ، فَأَشْبَهَتْ الْمُبْتَدَأَةَ.

وَقَوْلُهُمْ: لَهَا أَيَّامٌ مَعْرُوفَةٌ. قُلْنَا: قَدْ زَالَتْ الْمَعْرِفَةُ، فَصَارَ وُجُودُهَا كَالْعَدَمِ. وَأَمَّا أَمْرُهُ أُمَّ حَبِيبَةَ بِالْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَإِنَّمَا هُوَ نَدْبٌ، كَأَمْرِهِ لِحَمْنَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ، فَإِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ كَانَتْ مُعْتَادَةً رَدَّهَا إلَى عَادَتِهَا، وَهِيَ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ أُمِّ حَبِيبَةَ إنَّمَا رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَأَنْكَرَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أُمَّ حَبِيبَةَ أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ فَعَلَتْهُ هِيَ.

(٤٦٤) فَصْلٌ: قَوْلُهُ: " سِتًّا أَوْ سَبْعًا " الظَّاهِرُ أَنَّهُ رَدَّهَا إلَى اجْتِهَادِهَا وَرَأْيِهَا، فِيمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهَا أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى عَادَتِهَا أَوْ عَادَةِ نِسَائِهَا، أَوْ مَا يَكُونُ أَشْبَهَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ خَيَّرَهَا بَيْنَ سِتٍّ وَسَبْعٍ، لَا عَلَى طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، كَمَا خُيِّرَ وَاطِئُ الْحَائِضِ بَيْنَ التَّكْفِيرِ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ، بِدَلِيلِ أَنَّ حَرْفَ " أَوْ " لِلتَّخْيِيرِ. وَالْأَوَّلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهَا مُخَيَّرَةً أَفْضَى إلَى تَخْيِيرِهَا فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَاجِبَةً وَبَيْنَ كَوْنِهَا مُحَرَّمَةً، وَلَيْسَ لَهَا فِي ذَلِكَ خِيرَةٌ بِحَالٍ.

أَمَّا التَّكْفِيرُ فَفِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ، يُمْكِنُ التَّخْيِيرُ فِيهِ بَيْنَ إخْرَاجِ دِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ، وَالْوَاجِبُ نِصْفُ دِينَارٍ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ " أَوْ " لِلتَّخْيِيرِ. قُلْنَا: وَقَدْ يَكُونُ لِلِاجْتِهَادِ، كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤] . وَ " إمَّا " " كَأَوْ " فِي وَضْعِهَا، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ فِي الْأَسْرَى إلَّا فِعْلُ مَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ أَنَّهُ الْأَصْلَحُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>