للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة مَنْ وَقَفَ شَيْئًا وَقْفًا صَحِيحًا صَارَتْ مَنَافِعُهُ جَمِيعُهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ]

(٤٣٧٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِهِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَقَفَ شَيْئًا وَقْفًا صَحِيحًا، فَقَدْ صَارَتْ مَنَافِعُهُ جَمِيعُهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَزَالَ عَنْ الْوَاقِفِ مِلْكُهُ، وَمِلْكُ مَنَافِعِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ وَقَفَ شَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَدْخُلُ فِي جُمْلَتِهِمْ، مِثْلُ أَنْ يَقِفَ مَسْجِدًا، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، أَوْ مَقْبَرَةً فَلَهُ الدَّفْنُ فِيهَا، أَوْ بِئْرًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنْهَا، أَوْ سِقَايَةً، أَوْ شَيْئًا يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ، فَيَكُونُ كَأَحَدِهِمْ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا كُلِّهِ خِلَافًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَبَّلَ بِئْرَ رُومَةَ، وَكَانَ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ.

[مَسْأَلَة الْوَاقِفَ إذَا اشْتَرَطَ فِي الْوَقْفِ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ]

(٤٣٧٥) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، فَيَكُونَ لَهُ مِقْدَارُ مَا يَشْتَرِطُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا اشْتَرَطَ فِي الْوَقْفِ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ، صَحَّ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. قَالَ الْأَثْرَمُ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: يَشْتَرِطُ فِي الْوَقْفِ أَنِّي أُنْفِقُ عَلَى نَفْسِي وَأَهْلِي مِنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَاحْتَجَّ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُيَيْنَةَ، عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُجْرٌ الْمَدَرِيِّ، أَنَّ «فِي صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا أَهْلُهُ بِالْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ»

وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ الْوَقْفُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. وَبِذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَالزُّبَيْرُ، وَابْنُ سُرَيْجٍ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ، فَلَمْ يَجُزْ اشْتِرَاطُ نَفْعِهِ لِنَفْسِهِ، كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَكَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ يَخْدِمَهُ، وَلِأَنَّ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ مَجْهُولٌ، فَلَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُهُ، كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا وَاشْتَرَطَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ

وَلَنَا الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا وَقَفَ قَالَ: وَلَا بَأْسَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا، غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. وَكَانَ الْوَقْفُ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ مَاتَ. وَلِأَنَّهُ إذَا وَقَفَ وَقْفًا عَامًّا، كَالْمَسَاجِدِ، وَالسِّقَايَاتِ، وَالرِّبَاطَاتِ، وَالْمَقَابِرِ، كَانَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ الِانْتِفَاعَ بِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، أَوْ مُدَّةً مَعْلُومَةً مُعَيَّنَةً، وَسَوَاءٌ قَدَّرَ مَا يَأْكُلُ مِنْهُ، أَوْ أَطْلَقَهُ؛ فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُقَدِّرْ مَا يَأْكُلُ الْوَالِي وَيُطْعِمُ إلَّا بِقَوْلِهِ: بِالْمَعْرُوفِ. وَفِي حَدِيثِ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَأْكُلَ أَهْلُهُ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ

إلَّا أَنَّهُ إذَا شَرَطَ أَنَّ يَنْتَفِعَ بِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً. فَمَاتَ فِيهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا وَاشْتَرَطَ أَنْ يَسْكُنَهَا سَنَةً، فَمَاتَ فِي أَثْنَائِهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>