للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ شَرَطَ الْوَاقِف أَنْ يَأْكُلَ أَهْلُهُ مِنْ الْوَقْفِ]

(٤٣٧٦) فَصْلٌ: وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَأْكُلَ أَهْلُهُ مِنْهُ، صَحَّ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَطَ ذَلِكَ فِي صَدَقَتِهِ. وَإِنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَأْكُلَ مَنْ وَلِيَهُ مِنْهُ، وَيُطْعِمَ صَدِيقًا جَازَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَرَطَ ذَلِكَ فِي صَدَقَتِهِ، الَّتِي اسْتَشَارَ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ وَلِيَهَا الْوَاقِفُ، كَانَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَيُطْعِمَ صَدِيقًا؛ لِأَنَّ عُمَرَ وَلِي صَدَقَتَهُ

وَإِنْ وَلِيَهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ، كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ كَانَتْ تَلِي صَدَقَتَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، ثُمَّ وَلِيَهَا بَعْدَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.

[فَصْلٌ شَرَطَ الْوَاقِف أَنَّ يَبِيعَ الْوَقْف مَتَى شَاءَ أَوْ يَهَبَهُ أَوْ يَرْجِعَ فِيهِ]

(٤٣٧٧) فَصْلٌ: وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ مَتَى شَاءَ، أَوْ يَهَبَهُ، أَوْ يَرْجِعَ فِيهِ، لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ، وَلَا الْوَقْفُ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْسُدَ الشَّرْطُ، وَيَصِحَّ الْوَقْفُ، بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ. وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي الْوَقْفِ، فَسَدَ

نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ، فَجَازَ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ، كَالْإِجَارَةِ. وَلَنَا، أَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ مَتَى شَاءَ، وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ كَالْعِتْقِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ، كَالْهِبَةِ. وَيُفَارِقُ الْإِجَارَةَ، فَإِنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ، وَلِأَنَّ الْخِيَارَ إذَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ، مَنَعَ ثُبُوتَ حُكْمِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ أَوْ التَّصَرُّفِ، وَهَاهُنَا لَوْ ثَبَتَ الْخِيَارُ، لَثَبَتَ مَعَ ثُبُوتِ حُكْمِ الْوَقْفِ، وَلَمْ يَمْنَعْ التَّصَرُّفَ، فَافْتَرَقَا.

[فَصْل شَرَطَ الْوَاقِف فِي الْوَقْفِ أَنَّ يُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَيُدْخِلَ مَنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِهِمْ]

(٤٣٧٨) فَصْلٌ: وَإِنْ شَرَطَ فِي الْوَقْفِ أَنْ يُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَيُدْخِلَ مَنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِهِمْ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ، فَأَفْسَدَهُ. كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِهِ. وَإِنْ شَرَطَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ يَشَاءُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَيَحْرِمَ مَنْ يَشَاءُ، جَازَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِخْرَاجٍ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْوَقْفِ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ اسْتِحْقَاقَ الْوَقْفِ بِصِفَةٍ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ حَقًّا فِي الْوَقْفِ، إذَا اتَّصَفَ بِإِرَادَةِ الْوَالِي لِعَطِيَّتِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ حَقًّا إذَا انْتَفَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ فِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ مِنْ وَلَدِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْهُمْ مَنْ اشْتَغَلَ بِهِ دُونَ مَنْ لَمْ يَشْتَغِلْ، فَلَوْ تَرَكَ الْمُشْتَغِلُ الِاشْتِغَالَ زَالَ اسْتِحْقَاقُهُ، وَإِذَا عَادَ إلَيْهِ عَادَ اسْتِحْقَاقُهُ

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ جَعَلَ عُلْوَ دَارِهِ مَسْجِدًا دُونَ سُفْلِهَا أَوْ سُفْلَهَا دُون عُلْوِهَا]

(٤٣٧٩) فَصْلٌ: إذَا جَعَلَ عُلْوَ دَارِهِ مَسْجِدًا دُونَ سُفْلِهَا، أَوْ سُفْلَهَا دُونَ عُلْوِهَا، صَحَّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يَتْبَعُهُ هَوَاؤُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>