للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ تَفْرِيقِهَا، وَإِنْ بَلَغَتْ نُصُبًا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْمَسَاكِينِ لَا يَتَعَيَّنُ لَوَاحِدٍ مِنْهُمْ، بِدَلِيلِ، أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَجُوزُ حِرْمَانُهُ وَالدَّفْعُ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْمِلْكُ فِيهِ بِالدَّفْعِ وَالْقَبْضِ، لِمَا أُعْطِيَهُ مِنْ غَلَّتِهِ مِلْكًا مُسْتَأْنَفًا، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ، كَاَلَّذِي يُدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ، وَكَمَا لَوْ وَهَبَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ

وَفَارَقَ الْوَقْفَ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ. فَإِنَّهُ يُعَيَّنُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقٌّ فِي نَفْعِ الْأَرْضِ وَغَلَّتِهَا، وَلِهَذَا يَجِبُ إعْطَاؤُهُ، وَلَا يَجُوزُ حِرْمَانُهُ.

[فَصْلٌ الْوَقْفُ عَلَى الْقَبِيلَةِ الْعَظِيمَةِ]

(٤٤٢٣) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْقَبِيلَةِ الْعَظِيمَةِ، كَقُرَيْشٍ، وَبَنَى هَاشِمٍ، وَبَنِي تَمِيمٍ، وَبَنِي وَائِلٍ. وَنَحْوِهِمْ. وَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ، وَعَلَى أَهْلِ إقْلِيمٍ وَمَدِينَةٍ، كَالشَّامِ وَدِمَشْقَ وَنَحْوِهِمْ. وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقِفَ عَلَى عَشِيرَتِهِ، وَأَهْلِ مَدِينَتِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُمْ وَحَصْرُهُمْ، فِي غَيْرِ الْمَسَاكِينِ وَأَشْبَاهِهِمْ؛ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ، فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْجَهَالَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى قَوْمٍ

وَلَنَا أَنَّ مَنْ صَحَّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، إذَا كَانَ عَدَدُهُ مَحْصِيًّا صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْصِيًّا، كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَمَا ذَكَرَهُ يَبْطُلُ بِالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. وَمَتَى كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ، فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا يَصِحُّ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسَاكِينِ، وَلَا فِي جُمْلَةِ الْوَقْفِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ.

[مَسْأَلَةٌ حُكْم وَقَفَ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِالْإِتْلَافِ]

(٤٤٢٤) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِالْإِتْلَافِ، مِثْلُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ، فَوَقْفُهُ غَيْرُ جَائِزٍ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَالْمَطْعُومِ وَالْمَشْرُوبِ، وَالشَّمْعِ، وَأَشْبَاهِهِ، لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا شَيْئًا يُحْكَى عَنْ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، فِي وَقْفِ الطَّعَامِ، أَنَّهُ يَجُوزُ. وَلَمْ يَحْكِهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ

وَلَيْسَ بِصَحِيحِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الثَّمَرَةِ، وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِالْإِتْلَافِ لَا يَصِحُّ فِيهِ ذَلِكَ. وَقِيلَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ: يَصِحُّ وَقْفُهَا، عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ إجَارَتَهُمَا. وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ لَيْسَتْ الْمَقْصُودَ الَّذِي خُلِقَتْ لَهُ الْأَثْمَانُ، وَلِهَذَا لَا تُضْمَنُ فِي الْغَصْبِ، فَلَمْ يَجُزْ الْوَقْفُ لَهُ، كَوَقْفِ الشَّجَرِ عَلَى نَشْرِ الثِّيَابِ وَالْغَنَمِ عَلَى دَوْسِ الطِّينِ، وَالشَّمْعِ لِيَتَجَمَّلَ بِهِ.

(٤٤٢٥) فَصْلٌ: وَالْمُرَادُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ هَاهُنَا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ، وَمَا لَيْسَ بِحُلِيٍّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَتْلَفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>