للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ خَصَّ بَعْضَ وَلَدِهِ بِهِبَةِ لِمَعْنِيِّ يَقْتَضِي تَخْصِيصه]

(٤٤٦٠) فَصْلٌ: فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ لِمَعْنًى يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ، مِثْلَ اخْتِصَاصِهِ بِحَاجَةٍ، أَوْ زَمَانَةٍ، أَوْ عَمَى، أَوْ كَثْرَةِ عَائِلَةٍ، أَوْ اشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْفَضَائِلِ، أَوْ صَرَفَ عَطِيَّتَهُ عَنْ بَعْضِ وَلَدِهِ لِفِسْقِهِ، أَوْ بِدْعَتِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ يَسْتَعِينُ بِمَا يَأْخُذُهُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، أَوْ يُنْفِقُهُ فِيهَا، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ فِي تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ بِالْوَقْفِ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ لَحَاجَةٍ، وَأَكْرَهُهُ إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْأَثَرَةِ. وَالْعَطِيَّةُ فِي مَعْنَاهُ. وَيَحْتَمِلُ ظَاهِرُ لَفْظِهِ الْمَنْعَ مِنْ التَّفْضِيلِ أَوْ التَّخْصِيصِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِكَوْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَفْصِلْ بَشِيرًا فِي عَطِيَّتِهِ

وَالْأَوَّلُ أَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ، وَلِأَنَّ بَعْضَهُمْ اخْتَصَّ بِمَعْنًى يَقْتَضِي الْعَطِيَّةَ، فَجَازَ أَنْ يَخْتَصَّ بِهَا، كَمَا لَوْ اخْتَصَّ بِالْقَرَابَةِ. وَحَدِيثُ بَشِيرٍ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا، وَتَرْكُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الِاسْتِفْصَالَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِعِلْمِهِ بِالْحَالِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ عَلِمَ بِالْحَالِ لَمَا قَالَ: " أَلَك وَلَدٌ غَيْرُهُ؟ ". قُلْنَا: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ هَاهُنَا لِبَيَانِ الْعِلَّةِ، كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ: «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ قَالَ: نَعَمْ: قَالَ: فَلَا إذًا»

وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الرُّطَبَ يَنْقُضُ، لَكِنْ نَبَّهَ السَّائِلَ بِهَذَا عَلَى عِلَّةِ الْمَنْعِ مِنْ الْبَيْعِ، كَذَا هَاهُنَا.

[فَصْلٌ اسْتِحْبَابُ التَّسْوِيَةِ وَكَرَاهَة التَّفْضِيلِ فِي الْهِبَة]

(٤٤٦١) فَصْلٌ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اسْتِحْبَابِ التَّسْوِيَةِ، وَكَرَاهَةِ التَّفْضِيلِ. قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُسَوُّوا بَيْنَهُمْ حَتَّى فِي الْقُبَلِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالتَّسْوِيَةُ الْمُسْتَحَبَّةُ أَنْ يُقَسِّمَ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ قِسْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْمِيرَاثَ، فَيَجْعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ

وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَشُرَيْحٌ، وَإِسْحَاقُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. قَالَ شُرَيْحٌ لِرَجُلٍ قَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ وَلَدِهِ: اُرْدُدْهُمْ إلَى سِهَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَرَائِضِهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: مَا كَانُوا يُقَسِّمُونَ إلَّا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ: تُعْطَى الْأُنْثَى مِثْلُ مَا يُعْطَى الذَّكَرُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ: " سَوِّ بَيْنَهُمْ ". وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ

: «أَيَسُرُّك أَنْ يَسْتَوُوا فِي بِرِّك؟ . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَسَوِّ بَيْنَهُمْ» . وَالْبِنْتُ كَالِابْنِ فِي اسْتِحْقَاقِ بِرِّهَا، وَكَذَلِكَ فِي عَطِيَّتِهَا. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَوُّوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ، وَلَوْ كُنْت مُؤْثِرًا لِأَحَدٍ لَآثَرْتُ النِّسَاءَ عَلَى الرِّجَالِ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي " سُنَنِهِ ". وَلِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ فِي الْحَيَاةِ، فَاسْتَوَى فِيهَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، كَالنَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ. وَلَنَا أَنَّ اللَّهِ تَعَالَى قَسَّمَ بَيْنَهُمْ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَأَوْلَى مَا اقْتَدَى بِقِسْمَةِ اللَّهِ، وَلِأَنَّ الْعَطِيَّةَ فِي الْحَيَاةِ أَحَدُ حَالَيْ الْعَطِيَّةِ، فَيُجْعَلُ لِلذَّكَرِ مِنْهَا مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، كَحَالَةِ الْمَوْتِ. يَعْنِي الْمِيرَاثَ

<<  <  ج: ص:  >  >>