للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا أَنَّهُ خِيَارٌ فِي فَسْخِ عَقْدٍ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى قَضَاءٍ، كَالْفَسْخِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ. فَأَمَّا إنْ أَخَذَ مَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ، فَإِنْ نَوَى بِهِ الرُّجُوعَ، كَانَ رُجُوعًا، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي نِيَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ نَوَى الرُّجُوعَ أَوْ لَا، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ.

لَمْ يُحْكَمْ بِكَوْنِهِ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ وَغَيْرَهُ، فَلَا نُزِيلُ حُكْمًا يَقِينِيًّا بِأَمْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ. وَإِنْ اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرَائِنُ دَالَّةٌ عَلَى الرُّجُوعِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا، يَكُونُ رُجُوعًا. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّنَا اكْتَفَيْنَا فِي الْعَقْدِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، فَفِي الْفَسْخِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ لَفْظَ الرُّجُوعِ إنَّمَا كَانَ رُجُوعًا لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ كُلُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ. وَالْآخَرُ، لَا يَكُونُ رُجُوعًا. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ يَقِينًا، فَلَا يَزُولُ إلَّا بِالصَّرِيحِ

وَيُمْكِنُ أَنْ يُبْنَى هَذَا عَلَى نَفْسِ الْعَقْدِ، فَمَنْ أَوْجَبَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ فِيهِ، لَمْ يَكْتَفِ هَاهُنَا إلَّا بِلَفْظٍ يَقْتَضِي زَوَالَهُ، وَمَنْ اكْتَفَى فِي الْعَقْدِ بِالْمُعَاطَاةِ الدَّالَّةِ عَلَى الرِّضَا بِهِ، فَهَاهُنَا أَوْلَى. وَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ وَلَا قَوْلٍ، لَمْ يَحْصُلْ الرُّجُوعُ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْمِلِكِ عَلَى مَالٍ مَمْلُوكٍ لِغَيْرِهِ، فَلَمْ يَحْصُلْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، كَسَائِرِ الْعُقُودِ. وَإِنْ عَلَّقَ الرُّجُوعَ بِشَرْطٍ، فَقَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ رَجَعْت فِي الْهِبَةِ

لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لِلْعَقْدِ لَا يَقِفُ عَلَى شَرْطٍ، كَمَا لَا يَقِفُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ.

[مَسْأَلَة فَاضَلَ بَيْنَ وَلَدِهِ فِي الْعَطَايَا أَوْ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِعَطِيَّةِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدّهُ]

(٤٤٧٤) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَرْدُدْهُ، فَقَدْ ثَبَتَ لِمَنْ وَهَبَ لَهُ، إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ) يَعْنِي إذَا فَاضَلَ بَيْنَ وَلَدِهِ فِي الْعَطَايَا، أَوْ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِعَطِيَّةٍ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، ثَبَتَ ذَلِكَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلَزِمَ، وَلَيْسَ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ. هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، وَالْمَيْمُونِيِّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ، وَصَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ.

وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ أَنْ يَرْتَجِعُوا مَا وَهَبَهُ. اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيَّانِ. وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: عُرْوَةُ قَدْ رَوَى الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ؛ حَدِيثَ عَائِشَةَ، وَحَدِيثَ عُمَرَ، وَحَدِيثَ عُثْمَانَ، وَتَرَكَهَا وَذَهَبَ إلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَرُدُّ فِي حَيَاةِ الرَّجُلِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ»

وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إذَا مَاتَ الرَّجُلُ فَهُوَ مِيرَاثٌ بَيْنَهُمْ، لَا يَسَعُ أَنْ يَنْتَفِعَ أَحَدٌ مِمَّا أُعْطِيَ دُونَ إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّى ذَلِكَ جَوْرًا بِقَوْلِهِ: «لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ» . وَالْجَوْرُ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ لِلْفَاعِلِ فِعْلُهُ، وَلَا لِلْمُعْطَى تَنَاوُلُهُ. وَالْمَوْتُ لَا يُغَيِّرُهُ عَنْ كَوْنِهِ جَوْرًا حَرَامًا، فَيَجِبُ رَدَّهُ، وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَمَرَا قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ، أَنْ يَرُدَّ قِسْمَةَ أَبِيهِ حِينَ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهِ، وَلَا أَعْطَاهُ شَيْئًا، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ سَعْدٍ، فَرَوَى سَعِيدٌ، بِإِسْنَادِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ.

أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ، وَخَرَجَ إلَى الشَّامِ، فَمَاتَ بِهَا، ثُمَّ وُلِدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>