للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُمْ: إنَّ النَّصَّ خَاصٌّ فِي الْأَثْمَانِ. قُلْنَا: بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ لُقَطَةٍ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ، وَإِنْ وَرَدَ فِيهَا نَصٌّ خَاصٌّ، فَقَدْ رُوِيَ خَبَرٌ عَامٌ، فَيُعْمَلُ بِهِمَا، ثُمَّ قَدْ رَوَيْنَا نَصًّا خَاصًّا فِي الْعُرُوضِ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، كَمَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْخَاصِّ فِي الْأَثْمَانِ، ثُمَّ لَوْ اخْتَصَّ الْخَبَرُ بِالْأَثْمَانِ، لَوَجَبَ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا، كَسَائِرِ النُّصُوصِ الَّتِي عُقِلَ مَعْنَاهَا وَوُجِدَ فِي غَيْرِهَا، وَهَاهُنَا قَدْ وُجِدَ الْمَعْنَى، فَيَجِبُ قِيَاسُهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، أَوْ نَقُولُ: إنَّ الْمَعْنَى هَاهُنَا آكَدُ، فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ بِطَرِيقِ التَّنْبِيه

وَبَيَانُهُ أَنَّ الْأَثْمَانَ لَا تَتْلَفُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ عَلَيْهَا، وَانْتِظَارِ صَاحِبِهَا بِهَا أَبَدًا، وَالْعُرُوضُ تَتْلَفُ بِذَلِكَ، فَفِي النِّدَاءِ عَلَيْهَا دَائِمًا هَلَاكُهَا، وَضَيَاعُ مَالِيَّتِهَا عَلَى صَاحِبِهَا، وَمُلْتَقِطِهَا، وَسَائِرِ النَّاسِ، فِي إبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَمِلْكِهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ، حِفْظًا لِمَالِيَّتِهَا عَلَى صَاحِبِهَا بِدَفْعِ قِيمَتِهَا إلَيْهِ، وَتَقَعُ لِغَيْرِهِ، فَيَجِبُ ذَلِكَ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَالْحِفْظِ لِمَالِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَخِيهِ، وَلِأَنَّ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ فِيهَا حَثًّا عَلَى الْتِقَاطِهَا وَحِفْظِهَا وَتَعْرِيفِهَا، لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى الْمِلْكِ الْمَقْصُودِ لِلْآدَمِيِّ، وَفِي نَفْيِ مِلْكِهَا تَضْيِيعٌ لَهَا، لِمَا فِي الْتِقَاطِهَا مِنْ الْخَطَرِ وَالْمَشَقَّةِ وَالْكُلْفَةِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَصِلُ إلَيْهِ، فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَلْتَقِطَهَا أَحَدٌ لِتَعْرِيفِهَا فَتَضِيعَ

وَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْفَرْقِ مُلْغًى بِالشَّاةِ، فَقَدْ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِيهَا مَعَ هَذَا الْفَرْقِ، ثُمَّ يُمْكِنُنَا أَنْ نَقِيسَ عَلَى الشَّاةِ، فَلَا يَحْصُلُ هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ نَقْلِبُ دَلِيلَهُمْ، فَنَقُولُ: لُقَطَةٌ لَا تُمْلَكُ فِي الْحَرَمِ، فَمَا أُبِيحَ الْتِقَاطُهُ مِنْهَا مُلِكَ إذَا كَانَ فِي الْحِلِّ، كَالْإِبِلِ.

[فَصْلٌ لُقَطَةَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ سَوَاءٌ]

(٤٥٠٨) فَصْلٌ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ، أَنَّ لُقَطَةَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ سَوَاءٌ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُ لُقَطَةُ الْحَرَمِ لِلتَّمَلُّكِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ حِفْظُهَا لِصَاحِبِهَا، فَإِنْ الْتَقَطَهَا عَرَّفَهَا أَبَدًا حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهَا. وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَالْحُجَّةُ لِهَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَكَّةَ: «لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمُنْشِدُ الْمُعَرِّفُ، وَالنَّاشِدُ الطَّالِبُ. وَيُنْشَدُ: إصَاخَةُ النَّاشِدِ لِلْمُنْشِدِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ لَا تَحِلُّ لُقَطَةُ مَكَّةَ إلَّا لِمَنْ يُعَرِّفُهَا؛ لِأَنَّهَا خُصَّتْ بِهَذَا مِنْ سَائِرِ الْبُلْدَانِ. وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ، فِي " مُسْنَدِهِ " عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ» . قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْنِي يَتْرُكُهَا حَتَّى يَجِدَهَا صَاحِبُهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى عُمُومُ الْأَحَادِيثِ، وَأَنَّهُ أَحَدُ الْحَرَمَيْنِ، فَأَشْبَهَ حَرَمَ الْمَدِينَةِ، وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهَا بِالْحِلِّ وَالْحَرَمِ، كَالْوَدِيعَةِ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إلَّا لِمُنْشِدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>