للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ عَمِلَ ثُلُثَ الْعَمَلِ، فَاسْتَحَقَّ ثُلُثَ الْجُعْلِ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْآخَرَانِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا عَمِلَا مِنْ غَيْرِ جُعْلٍ. وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.

[فَصْلٌ قَالَ مَنْ رَدَّ عَبْدِي مِنْ بَلَدِ كَذَا فَلَهُ دِينَارٌ]

فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي مِنْ بَلَدِ كَذَا فَلَهُ دِينَارٌ. فَرَدَّهُ إنْسَانٌ مِنْ نِصْفِ طَرِيقِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْجُعْلِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ نِصْفَ الْعَمَلِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدَيَّ فَلَهُ دِينَارٌ. فَرَدَّ أَحَدَهُمَا، فَلَهُ نِصْفُ الدِّينَارِ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ نِصْفَ الْعَبْدَيْنِ، وَإِنْ رَدَّ الْعَبْدَ مِنْ غَيْرِ الْبَلَدِ الْمُسَمَّى، فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلَ فِي رَدِّهِ مِنْهُ شَيْئًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ جَعَلَ فِي رَدِّ أَحَدِ عَبْدَيْهِ شَيْئًا فَرَدَّ الْآخَرَ. وَلَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ دِينَارٌ. فَرَدَّهُ إنْسَانٌ إلَى نِصْفِ الطَّرِيقِ، فَهَرَبَ مِنْهُ، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ الْجُعْلَ بِرَدِّهِ، وَلَمْ يَرُدَّهُ

وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، فَخَاطَهُ، وَلَمْ يُسَلِّمْهُ حَتَّى تَلِفَ، لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنْ كَانَ الْجَاعِلُ قَالَ: مَنْ وَجَدَ لُقَطَتِي فَلَهُ دِينَارٌ فَقَدْ وُجِدَ الْوِجْدَانُ؟ قُلْنَا: قَرِينَةُ الْحَالِ تَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الرَّدِّ، وَالْمَقْصُودُ هُوَ الرَّدُّ لَا الْوِجْدَانُ الْمُجَرَّدُ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِذِكْرِ الْوِجْدَانِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الرَّدِّ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ وَجَدَ لُقَطَتِي فَرَدَّهَا عَلَيَّ.

[فَصْل الْجَعَالَة تُسَاوِي الْإِجَارَةَ فِي اعْتِبَارِ الْعِلْمِ بِالْعِوَضِ]

(٤٥٣٠) فَصْلٌ: وَالْجَعَالَةُ تُسَاوِي الْإِجَارَةِ فِي اعْتِبَارِ الْعِلْمِ بِالْعِوَضِ، وَمَا كَانَ عِوَضًا فِي الْإِجَارَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْجَعَالَةِ، وَمَا لَا فَلَا، وَفِي أَنَّ مَا جَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ الْأَعْمَالِ، جَازَ أَخْذُهُ عَلَيْهِ فِي الْجَعَالَةِ، وَمَا لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ، مِثْلُ الْغِنَاءِ وَالزَّمْرِ وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ، لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَيْهِ، وَمَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، مِمَّا لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ فَاعِلَهُ، كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ، كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْحَجِّ، فَفِيهِ وَجْهَانِ، كَالرِّوَايَتَيْنِ فِي الْإِجَارَةَ

وَيُفَارِقُ الْإِجَارَةَ فِي أَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ، وَهِيَ لَازِمَةٌ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِالْمُدَّةِ، وَلَا بِمِقْدَارِ الْعَمَلِ، وَلَا يُعْتَبَرُ وُقُوعُ الْعَقْدِ مَعَ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ. فَعَلَى هَذَا مَتَى شَرَطَ عِوَضًا مَجْهُولًا، كَقَوْلِهِ: إنْ رَدَدْت عَبْدِي فَلَكَ ثَوْبٌ، أَوْ فَلَكَ سَلَبُهُ. أَوْ شَرَطَ عِوَضًا مُحَرَّمًا، كَالْخَمْرِ وَالْحُرِّ، أَوْ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ ثُلُثُهُ، أَوْ مَنْ رَدَّ عَبْدَيَّ فَلَهُ أَحَدُهُمَا. فَرَدَّهُ إنْسَانٌ اسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ عَمَلًا بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَاسْتَحَقَّ أَجْرَهُ، كَمَا فِي الْإِجَارَةِ.

[فَصْلٌ رَدَّ لُقَطَةً أَوْ ضَالَّةً أَوْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا غَيْرَ رَدِّ الْآبِقِ بِغَيْرِ جَعَلَ]

(٤٥٣١) فَصْلٌ: وَمَنْ رَدَّ لُقَطَةً أَوْ ضَالَّةً، أَوْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا غَيْرَ رَدِّ الْآبِقِ، بِغَيْرِ جُعْلٍ، لَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضًا. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِوَضَ مَعَ الْمُعَاوَضَةِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ مَعَ عَدَمِهَا، كَالْعَمَلِ فِي الْإِجَارَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>