للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجُعْلِ، فَقَالَ: جَعَلْت لِي فِي رَدِّ لُقَطَتِي كَذَا. فَأَنْكَرَ الْمَالِكُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ

وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْعِوَضِ، وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزَّائِدِ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الْعِوَضِ، فَكَذَلِكَ فِي قَدْرِهِ، كَرَبِّ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَحَالَفَا، كَالْمُتَبَايِعِينَ إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، وَالْأَجِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرِ إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأَجْرِ. فَعَلَى هَذَا إنْ تَحَالَفَا فُسِخَ الْعَقْدُ، وَوَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَسَافَةِ، فَقَالَ: جَعَلْت لَك الْجُعْلَ عَلَى رَدِّهَا مِنْ حَلَبَ

فَقَالَ: بَلْ عَلَى رَدِّهَا مِنْ حِمْصَ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْعَبْدِ الَّذِي جُعِلَ الْجُعْلُ فِي رَدِّهِ، فَقَالَ: رَدَدْت الْعَبْدَ الَّذِي شَرَطْت لِي الْجُعْلَ فِيهِ. قَالَ: بَلْ شَرَطْت لَك الْجُعْلَ فِي الْعَبْدِ الَّذِي لَمْ تَرُدَّهُ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِشَرْطِهِ، وَلِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ شَرْطًا فِي هَذَا الْعَقْدِ فَأَنْكَرَهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الشَّرْطِ.

[فَصْلٌ رَدُّ الْعَبْدِ الْآبِقِ]

(٤٥٣٢) فَصْلٌ: أَمَّا رَدُّ الْعَبْدِ الْآبِقِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ بِرَدِّهِ وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ لَهُ. رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُوجِبُ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ جُعْلِ الْآبِقِ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ

لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا جُعْلَ لَهُ فِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: " وَإِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ فَلِمَنْ جَاءَ بِهِ إلَى سَيِّدِهِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ ". وَلَمْ يَذْكُرْ جُعْلًا. وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرُطَ لَهُ عِوَضًا، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، كَمَا لَوْ رَدَّ جَمَلَهُ الشَّارِدَ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، مَا رَوَى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ فِي جُعْلِ الْآبِقِ، إذَا جَاءَ بِهِ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ، دِينَارًا

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ فِي زَمَنِهِمْ مُخَالِفًا، فَكَانَ إجْمَاعًا. وَلِأَنَّ فِي شَرْطِ الْجُعْلِ فِي رَدِّهِمْ حَثًّا عَلَى رَدِّ الْإِبَاقِ، وَصِيَانَةً لَهُمْ عَنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَرِدَّتِهِمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَتَقْوِيَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِهِمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ. وَبِهَذَا فَارَقَ رَدَّ الشَّارِدِ، فَإِنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَقْرَبُ إلَى الْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَالْخَبَرُ الْمَرْوِيُّ فِي هَذَا مُرْسَلٌ، وَفِيهِ مَقَالٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ الْإِجْمَاعُ فِيهِ وَلَا الْقِيَاسُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ اعْتِبَارُ الشَّرْعِ لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ، وَلَا تَحَقَّقَتْ أَيْضًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ الظَّاهِرُ هَرَبَهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ إلَّا فِي الْمَجْلُوبِ مِنْهَا، إذَا كَانَتْ قَرِيبَةً، وَهَذَا بَعِيدٌ فِيهِمْ

فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي قَدْرِ الْجُعْلِ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ دِينَارٌ، إنْ رَدَّهُ مِنْ الْمِصْرِ، وَإِنْ رَدَّهُ مِنْ خَارِجِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>