للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحْدَاهُمَا يَلْزَمُهُ دِينَارٌ، أَوْ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا، لِلْخَبَرِ الْمَرْوِيِّ فِيهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَالثَّانِيَةُ، لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا إنْ رَدَّهُ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَشُرَيْحٍ. فَرَوَى أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: إنِّي أَصَبْت عَبِيدًا إبَاقًا. فَقَالَ: لَك أَجْرٌ وَغَنِيمَةٌ. فَقُلْت: هَذَا الْأَجْرُ، فَمَا الْغَنِيمَةُ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ رَأْسٍ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَعْطَيْت الْجُعْلَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَفِيضٌ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ. قَالَ الْخَلَّالُ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَصَحُّ إسْنَادًا.

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا وَجَدَهُ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ رَدَّهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ، يُرْضَخُ لَهُ عَلَى قَدْرِ الْمَكَانِ الَّذِي تَعْنِي إلَيْهِ

وَلَا فَرْقَ عِنْدَ إمَامِنَا بَيْنَ أَنْ يَزِيدَ الْجُعْلَ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ لَا يَزِيدَ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ قَلِيلَ الْقِيمَةِ نَقَصَ الْجُعْلُ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمًا، لِئَلَّا يَفُوتَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ جَمِيعُهُ. وَلَنَا عُمُومُ الدَّلِيلِ، وَلِأَنَّهُ جُعْلٌ يُسْتَحَقُّ فِي رَدِّ الْآبِقِ، فَاسْتَحَقَّهُ وَإِنْ زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ، كَمَا لَوْ جَعَلَهُ لَهُ صَاحِبُهُ، وَيَسْتَحِقُّهُ إنْ مَاتَ سَيِّدُهُ فِي تَرِكَتِهِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ الَّذِي رَدَّهُ مِنْ وَرَثَةِ الْمَوْلَى، سَقَطَ الْجُعْلُ

وَلَنَا أَنَّ هَذَا عِوَضٌ عَنْ عَمَلِهِ، فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، كَالْأَجْرِ فِي الْإِجَارَةِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ وَرَثَةِ الْمَوْلَى. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ مَنْ رَدَّهُ مَعْرُوفًا بِرَدِّ الْإِبَاقِ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَبِهَذَا قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ، اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَنَا الْخَبَرُ، وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ، وَلِأَنَّهُ رَدَّ آبِقًا، فَاسْتَحَقَّ الْجُعْلَ، كَالْمَعْرُوفِ بِرَدِّهِمْ.

[فَصْلٌ أَخْذُ الْآبِقِ لِمَنْ وَجَدَهُ]

(٤٥٣٣) فَصْل: وَيَجُوزُ أَخْذُ الْآبِقِ لِمَنْ وَجَدَهُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُؤْمَنُ لَحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَارْتِدَادُهُ، وَاشْتِغَالُهُ بِالْفَسَادِ فِي سَائِر الْبِلَادِ، بِخِلَافِ الضَّوَالِّ الَّتِي تَحْفَظُ نَفْسَهَا. فَإِذَا أَخَذَهُ فَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، إنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَجَدَ صَاحِبَهُ، دَفَعَهُ إلَيْهِ إذَا أَقَامَ بِهِ الْبَيِّنَةَ، أَوْ اعْتَرَفَ الْعَبْدُ أَنَّهُ سَيِّدُهُ. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَيِّدَهُ، دَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>