للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَثَنِيٍّ حَرْبِيٍّ، فَهُوَ حَاصِلٌ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ عُهْدَةٍ وَلَا عَقْدٍ، فَيَكُونُ لِوَاجِدِهِ، وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ سَابِيه، أَوْ يَكُونَ ابْنَ ذِمِّيَّيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا ذِمِّيٌّ، فَلَا يُقَرُّ عَلَى الِانْتِقَالِ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَوْ يَكُونَ ابْنَ مُسْلِمٍ أَوْ ابْنَ مُسْلِمَيْنِ، فَيَكُونَ مُسْلِمًا. قَالَ أَحْمَدُ، فِي أَمَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ، وَلَدَتْ مِنْ فُجُورٍ: وَلَدُهَا مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّ أَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ، وَهَذَا لَيْسَ مَعَهُ إلَّا أُمُّهُ

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْوَلَدِ حَالٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَرَّ فِيهَا عَلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يُرَدُّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ.

[فَصْلٌ جِنَايَة اللَّقِيطُ]

(٤٥٥٩) فَصْلٌ: إذَا جَنَى اللَّقِيطُ جِنَايَةً تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ، فَالْعَقْلُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَهُ لَهُ، وَنَفَقَتَهُ عَلَيْهِ. وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ، فَحُكْمُهُ فِيهَا غَيْرُ حُكْمِ اللَّقِيطِ؛ إنْ كَانَتْ تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ، اُقْتُصَّ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْمَالِ وَلَهُ مَالٌ، اُسْتُوْفِيَ مِنْهُ، وَإِلَّا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُوسِرَ. وَإِنْ جُنِيَ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ جِنَايَةً تُوجِبُ الدِّيَةَ، فَهِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ وَارِثُهُ

وَإِنْ كَانَ عَمْدًا مَحْضًا، فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ إنْ رَآهُ أَحْظَ لِلْمَلَاقِيطِ، وَالْعَفْوِ عَلَى مَالٍ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، إلَّا أَنَّهُ يُخَيِّرُهُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْمُصَالَحَةِ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» . وَإِنْ جُنِيَ عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْأَرْشَ قَبْلَ بُلُوغِهِ، فَلِوَلِيِّهِ أَخْذُ الْأَرْشِ. وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ، وَلِلَّقِيطِ مَالٌ يَكْفِيه، وَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى بُلُوغِهِ لِيَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ، سَوَاءٌ كَانَ عَاقِلًا أَوْ مَعْتُوهًا

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، وَكَانَ عَاقِلًا، اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ مَعْتُوهًا فَلِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْتُوهَ لَيْسَ لَهُ حَالٌ مَعْلُومَةٌ مُنْتَظَرَةٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يَدُومُ بِهِ، وَالْعَاقِلُ لَهُ حَالٌ مُنْتَظَرَةٌ، فَافْتَرَقَا. وَفِي الْحَالِ الَّتِي يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ، فَإِنَّ الْجَانِيَ يُحْبَسُ حَتَّى يَبْلُغَ اللَّقِيطُ، فَيَسْتَوْفِيَ لِنَفْسِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ لِلْإِمَامِ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ لَهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الْقِصَاصِ

فَكَانَ لِلْإِمَامِ اسْتِيفَاؤُهُ عَنْ اللَّقِيطِ، كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ. وَلَنَا أَنَّهُ قِصَاصٌ لَمْ يَتَحَتَّمْ اسْتِيفَاؤُهُ، فَوَقَفَ عَلَى قَوْلِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ بَالِغًا غَائِبًا، وَفَارَقَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ، فَإِنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ هُوَ لَهُ، إنَّمَا هُوَ لِوَارِثِهِ، وَالْإِمَامُ الْمُتَوَلِّي لَهُ.

[فَصْلٌ قَذَفَ اللَّقِيطُ بَعْدَ بُلُوغِهِ مُحْصَنًا]

(٤٥٦٠) فَصْلٌ: وَإِنْ قَذَفَ اللَّقِيطُ بَعْدَ بُلُوغِهِ مُحْصَنًا، حُدَّ ثَمَانِينَ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ. وَإِنْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ، وَهُوَ مُحْصَنٌ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ. فَإِنْ ادَّعَى الْقَاذِفُ أَنَّهُ عَبْدٌ، فَصَدَّقَهُ اللَّقِيطُ، سَقَطَ الْحَدُّ؛ لِإِقْرَارِ الْمُسْتَحِقِّ بِسُقُوطِ الْحَدِّ، وَيَجِبُ التَّعْزِيرُ؛ لِقَذْفِهِ مَنْ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ. وَإِنْ كَذَّبَهُ اللَّقِيطُ، وَقَالَ: إنِّي حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، فَقَوْلُهُ مُوَافِقٌ لِلظَّاهِرِ، وَلِذَلِكَ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ حَدَّ الْحُرِّ إذَا كَانَ قَاذِفًا، وَأَوْجَبْنَا لَهُ الْقِصَاصَ، وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>