للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ الْجَانِي حُرًّا

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَاذِفِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ صِحَّةَ مَا قَالَهُ، بِأَنْ يَكُونَ ابْنَ أَمَةٍ، فَيَكُونَ ذَلِكَ شُبْهَةً، وَالْحَدُّ يَنْدَرِئ بِالشُّبُهَاتِ. وَفَارَقَ الْقِصَاصَ لَهُ إذَا ادَّعَى الْجَانِي عَلَيْهِ أَنَّهُ عَبْدٌ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِحَدٍّ، وَإِنَّمَا: وَجَبَ حَقًّا لِآدَمِيٍّ، وَلِذَلِكَ جَازَتْ الْمُصَالَحَةُ عَنْهُ، وَأَخْذُ بَدَلِهِ، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ. وَيَتَخَرَّجُ مِنْ هَذَا أَنَّ اللَّقِيطَ إذَا كَانَ قَاذِفًا، فَادَّعَى أَنَّهُ عَبْدٌ لِيَجِب عَلَيْهِ حَدُّ الْعَبْدِ، قُبِلَ مِنْهُ؛ لِذَلِكَ

وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ مِنْ كَانَ مَحْكُومًا بِحُرِّيَّتِهِ، لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ قَاذِفِهِ بِاحْتِمَالِ رِقِّهِ، بِدَلِيلِ مَجْهُولِ النَّسَبِ، وَلَوْ سَقَطَ الْحَدُّ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ، لَسَقَطَ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْقَاذِفُ رِقَّهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ.

[مَسْأَلَة يُنْفِقُ عَلَيَّ اللَّقِيط مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ لَمْ يُوجَدْ مَعَهُ شَيْءٌ يُنْفَقُ عَلَيْهِ]

(٤٥٦١) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ لَمْ يُوجَدْ مَعَهُ شَيْءٌ يُنْفَقُ عَلَيْهِ) . وَجُمْلَتُهُ أَنَّ اللَّقِيطَ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَعَهُ شَيْءٌ، لَمْ يُلْزَمْ الْمُلْتَقِطُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ اللَّقِيطِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الْمُلْتَقِطِ، كَوُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ

وَذَلِكَ لِأَنَّ أَسْبَابَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ، مِنْ الْقَرَابَةِ، وَالزَّوْجِيَّةِ، وَالْمِلْكِ، وَالْوَلَاءِ، مُنْتَفِيَةٌ، وَالِالْتِقَاطُ إنَّمَا هُوَ تَخْلِيصٌ لَهُ مِنْ الْهَلَاكِ، وَتَبَرُّعٌ بِحِفْظِهِ، فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ النَّفَقَةَ، كَمَا لَوْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ اللَّقِيطِ. وَتَجِبُ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِيثِ أَبِي جَمِيلَةَ: اذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ، وَلَك وَلَاؤُهُ، وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ. وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ وَلِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ وَارِثُهُ، وَمَالُهُ مَصْرُوفٌ إلَيْهِ، فَتَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، كَقَرَابَتِهِ وَمَوْلَاهُ

فَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِكَوْنِهِ لَا مَالَ فِيهِ، أَوْ كَانَ فِي مَكَان لَا إمَامَ فِيهِ، أَوْ لَمْ يُعْطَ شَيْئًا، فَعَلَى مَنْ عَلِمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] . وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ هَلَاكَهُ، وَحِفْظُهُ عَنْ ذَلِكَ وَاجِبٌ، كَإِنْقَاذِهِ مِنْ الْغَرَقِ. وَهَذَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، إذَا قَامَ بِهِ قَوْمٌ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ، فَإِنْ تَرَكَهُ الْكُلُّ أَثِمُوا. وَمَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مُتَبَرِّعًا، فَلَا شَيْءَ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُلْتَقِطَ أَوْ غَيْرَهُ. وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ

فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ، لَزِمَ اللَّقِيطَ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ قَصْدًا بِالْمَعْرُوفِ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَإِنْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ، مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: تُؤَدَّى النَّفَقَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَقَالَ شُرَيْحٌ، وَالنَّخَعِيُّ: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يَحْلِفُ مَا أَنْفَقَ احْتِسَابًا، فَإِنْ حَلَفَ اُسْتُسْعِيَ

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ مُتَبَرِّعٌ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>