للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِمْ

فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ. فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَذَا مِثْلُهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى اللَّقِيطِ، وَعَلَى مَالِهِ؛ فَإِنَّ لَهُ وِلَايَةَ أَخْذِهِ وَحِفْظِهِ. وَالثَّانِي، أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى اللَّقِيطِ مِنْ مَالِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ، وَلِأَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ مَالِ أَبِيهِ مَشْرُوطٌ بِكَوْنِ الصَّبِيِّ مُحْتَاجًا إلَى ذَلِكَ، لِعَدَمِ مَالِهِ، وَعَدَمِ نَفَقَةٍ تَرَكَهَا أَبُوهُ بِرَسْمِهِ، وَذَلِكَ لَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُودَعِ، فَاحْتِيجَ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ.

وَلَا كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ ثَمَّ وُجُوبُهُ فِي اللَّقِيطِ. وَمَتَى لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا، فَلَهُ الْإِنْفَاقُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ حَالُ ضَرُورَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ فِي مَوْضِعٍ يَجِدُ حَاكِمًا، وَإِنْ أَنْفَقَ ضَمِنَ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ لِأَبِي الصَّغِيرِ وَدَائِعُ عِنْدَ إنْسَانٍ، فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى مَالِهِ، وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الْحَضَانَةِ. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا، فَفِي جَوَازِ الْإِنْفَاقِ وَجْهَانِ؛ وَلَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ ابْتِدَاءً، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى مَالٍ.

فَإِنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لَهُ أَخْذَهُ وَحِفْظَهُ، وَهُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ، وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ اللَّقِيطِ وَبَيْنَ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْحَاكِمَ فِي مَوْضِعٍ يَجِدُ حَاكِمًا؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ، وَأَقْطَعُ لِلظِّنَّةِ، وَفِيهِ خُرُوجٌ بِهِ مِنْ الْخِلَافِ، وَحِفْظٌ لِمَالِهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي وَلِيِّ الْيَتِيمِ، فَإِذَا بَلَغَ اللَّقِيطُ، وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا أَنْفَقَ، وَفِي التَّفْرِيطِ فِي الْإِنْفَاقِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْفِقِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ، كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ.

[مَسْأَلَة وَلَاء اللَّقِيط]

(٤٥٦٣) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَوَلَاؤُهُ لِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ) يَعْنِي مِيرَاثَهُ لَهُمْ، فَإِنَّ اللَّقِيطَ حُرُّ الْأَصْلِ، وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ؛ لِأَنَّهُمْ خُوِّلُوا كُلَّ مَالٍ لَا مَالِك لَهُ، وَلِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ مَالَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَ اللَّقِيطِ، فَكَذَلِكَ اللَّقِيطُ. وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: " وَوَلَاؤُهُ لِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ". تَجَوُّزٌ فِي اللَّفْظِ، لِاشْتِرَاكِ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ لَهُ الْوَلَاءُ فِي أَخْذِ الْمِيرَاثِ، وَحِيَازَتِهِ كُلِّهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ. هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ شُرَيْحٌ، وَإِسْحَاقُ: عَلَيْهِ الْوَلَاءُ لِمُلْتَقِطِهِ؛ لِمَا رَوَى وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمَرْأَةُ تَحُوزُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ؛ عَتِيقَهَا، وَلَقِيطَهَا، وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي جَمِيلَةَ فِي لُقَطَتِهِ: هُوَ حُرٌّ، وَلَك وَلَاؤُهُ، وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>