للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُنْذِرِ: هَذَا كَالْإِجْمَاعِ مِنْهُمْ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرُّوذِيُّ: لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ انْقَطَعَ الدَّمُ لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ، حَلَّ وَطْؤُهَا، وَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ ذَلِكَ، لَمْ يُبَحْ حَتَّى تَغْتَسِلَ، أَوْ تَتَيَمَّمَ، أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ بِالْجَنَابَةِ.

وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: ٢٢٢] . يَعْنِي إذَا اغْتَسَلْنَ. هَكَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي الْآيَةِ: {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: ٢٢٢] . فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مِنْهُمْ أَثْنَى عَلَيْهِمْ بِهِ، وَفِعْلُهُمْ هُوَ الِاغْتِسَالُ دُونَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، فَشَرَطَ لِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ شَرْطَيْنِ: انْقِطَاعَ الدَّمِ، وَالِاغْتِسَالَ، فَلَا يُبَاحُ إلَّا بِهِمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] . لَمَّا اشْتَرَطَ لِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِمْ بُلُوغَ النِّكَاحِ وَالرُّشْدَ لَمْ يُبَحْ إلَّا بِهِمَا. كَذَا هَاهُنَا؛ وَلِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ لِحَدَثِ الْحَيْضِ، فَلَمْ يُبَحْ وَطْؤُهَا كَمَا لَوْ انْقَطَعَ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ. وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَعْنَى مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ؛ وَلِأَنَّ حَدَثَ الْحَيْضِ آكَدُ مِنْ حَدَثِ الْجَنَابَةِ، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ.

[مَسْأَلَةٌ لَا تُوطَأُ مُسْتَحَاضَةٌ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ]

(٤٨٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا تُوطَأُ مُسْتَحَاضَةٌ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ) اُخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَرُوِيَ لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْوُقُوعَ فِي مَحْظُورٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالْحَاكِمِ؛ لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: الْمُسْتَحَاضَةُ لَا يَغْشَاهَا زَوْجُهَا.

وَلِأَنَّ بِهَا أَذًى، فَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا كَالْحَائِضِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ وَطْءَ الْحَائِضِ مُعَلِّلًا بِالْأَذَى بِقَوْلِهِ: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: ٢٢٢] . أَمَرَ بِاعْتِزَالِهِنَّ عَقِيبَ الْأَذَى مَذْكُورًا بِفَاءِ التَّعْقِيبِ؛ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا ذُكِرَ مَعَ وَصْفٍ يَقْتَضِيهِ وَيَصْلُحُ لَهُ، عُلِّلَ بِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَالْأَذَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً. فَيُعَلَّلُ بِهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ، فَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ فِي حَقِّهَا وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ إبَاحَةُ وَطْئِهَا مُطْلَقًا، مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً، وَكَانَ زَوْجُهَا يُجَامِعُهَا.

وَقَالَ: كَانَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ تُسْتَحَاضُ، وَكَانَ زَوْجُهَا يَغْشَاهَا؛ وَلِأَنَّ حَمْنَةَ كَانَتْ تَحْتَ طَلْحَةَ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ سَأَلَتَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَحْكَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَبَيَّنَهُ لَهُمَا.

وَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْوُقُوعَ فِي مَحْظُورٍ إنْ تَرَكَ الْوَطْءَ، أُبِيحَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا أَخَفُّ مِنْ حُكْمِ الْحَائِضِ، وَلَوْ وَطِئَهَا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مِنْ الشَّرْعِ، وَلَمْ يَرِدْ بِإِيجَابِهَا فِي حَقِّهَا، وَلَا هِيَ فِي مَعْنَى الْحَائِضِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الِاخْتِلَافِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>