للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ. وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ: وَالِ مِنْ شِئْت. فَلَمْ يَثْبُتْ، وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْمُوَلَّاةِ، لَا بِالِانْتِسَابِ. وَعَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ لَهُ الِانْتِسَابَ إلَى أَحَدِهِمَا، لَوْ انْتَسَبَ إلَى أَحَدِهِمَا، ثُمَّ عَادَ وَانْتَسَبَ إلَى الْآخَرِ، وَنَفَى نَسَبَهُ مِنْ الْأَوَّلِ، أَوْ لَمْ يَنْتَسِبْ إلَى وَاحِدٍ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ نَسَبُهُ، فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ ادَّعَى مُنْفَرِدٌ نَسَبَهُ ثُمَّ أَنْكَرَهُ، وَيُفَارِقُ الصَّبِيَّ الَّذِي يُخَيَّرُ بَيْنَ أَبَوَيْهِ، فَيَخْتَارُ أَحَدَهُمَا، ثُمَّ يَرُدُّ الْآخَرَ، إذَا اخْتَارَهُ، فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ لِقَوْلِ الصَّبِيِّ، وَإِنَّمَا تَبِعَ اخْتِيَارَهُ وَشَهْوَتَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَهَى طَعَامًا فِي يَوْمٍ، ثُمَّ اشْتَهَى غَيْرَهُ فِي يَوْمٍ آخَر. وَإِنْ قَامَتْ لِلْآخَرِ بِنَسَبِهِ بَيِّنَةٌ، عُمِلَ بِهَا، وَبَطَلَ انْتِسَابُهُ؛ لِأَنَّهَا تُبْطِلُ قَوْلَ الْقَافَةِ، الَّذِي هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِانْتِسَابِ، فَلَأَنْ تُبْطِلَ الِانْتِسَابَ أَوْلَى. وَإِنْ وُجِدَتْ قَافَةٌ بَعْدَ انْتِسَابِهِ، فَأَلْحَقَتْهُ بِغَيْرِ مَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِ، بَطَلَ انْتِسَابُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، فَبَطَلَ بِهِ الِانْتِسَابُ كَالْبَيِّنَةِ مَعَ قَوْلِ الْقَافَةِ.

[فَصْلٌ ادَّعَتْ امْرَأَتَانِ نَسَبَ وَلَدٍ لَقِيطًا]

(٤٥٨١) فَصْلٌ: وَإِنْ ادَّعَتْ امْرَأَتَانِ نَسَبَ وَلَدٍ، فَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَبُولِ دَعْوَاهُمَا، فَإِنْ كَانَتَا مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُمَا، لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُمَا. وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مِمَّنْ تُسْمَعُ دَعْوَاهَا دُونَ الْأُخْرَى، فَهُوَ ابْنُهَا، كَالْمُنْفَرِدَةِ بِهِ. وَإِنْ كَانَتَا جَمِيعًا مِمَّنْ تُسْمَعُ دَعْوَتُهُمَا، فَهُمَا فِي إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ كَوْنِهِ يَرَى الْقَافَةَ مَعَ عَدَمِهَا كَالرَّجُلَيْنِ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فِي يَهُودِيَّةٍ وَمُسْلِمَةٍ وَلَدَتَا، فَادَّعَتْ الْيَهُودِيَّةُ وَلَدَ الْمُسْلِمَةِ، فَتَوَقَّفَ، فَقِيلَ: يُرَى الْقَافَة؟ فَقَالَ: مَا أَحْسَنَهُ. وَلِأَنَّ الشَّبَه يُوجَدُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنِهَا، كَوُجُودِهِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَابْنِهِ، بَلْ أَكْثَرَ، لِاخْتِصَاصِهَا بِحَمْلِهِ وَتَغْذِيَتِهِ، وَالْكَافِرَةُ وَالْمُسْلِمَةُ، وَالْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ، فِي الدَّعْوَى وَاحِدَةٌ، كَمَا قُلْنَا فِي الرَّجُلِ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقُولُونَ فِيهِ بِقَبُولِ دَعْوَاهَا. وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِأُمَّيْنِ، لَمْ يُلْحَقْ بِهِمَا، وَبَطَلَ قَوْلُ الْقَافَةِ؛ لِأَنَّنَا نَعْلَمُ خَطَأَهُ يَقِينًا. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُلْحَقُ بِهِمَا بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْأُمَّ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ، فَجَازَ أَنْ يُلْحَقَ بِاثْنَيْنِ، كَالْآبَاءِ. وَلَنَا أَنْ كَوْنَهُ مِنْهُمَا مُحَالٌ يَقِينًا. فَلَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهُمَا أَوْ مِثْلَهُمَا، وَفَارَقَ الرَّجُلَيْنِ، فَإِنَّ كَوْنَهُ مِنْهُمَا مُمْكِنٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ اجْتِمَاعُ النُّطْفَتَيْنِ لِرَجُلَيْنِ فِي رَحِمِ امْرَأَةٍ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُخْلَقَ مِنْهُمَا وَلَدٌ، كَمَا يُخْلَقُ مِنْ نُطْفَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الْقَائِفُ لِعُمَرَ: قَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إلْحَاقِهِ بِمَنْ يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ مِنْهُ، إلْحَاقُهُ بِمَنْ يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ مِنْهُ، كَمَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ إلْحَاقِهِ بِمَنْ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ إلْحَاقُهُ بِأَصْغَرَ مِنْهُ.

[فَصْلٌ ادَّعَى نَسَبَ اللَّقِيط رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ]

فَصْلٌ: فَإِنْ ادَّعَى نَسَبَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا بِنِكَاحٍ كَانَ بَيْنَهُمَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>