للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَابُ الْوَصَايَا]

الْوَصَايَا جَمْعُ وَصِيَّةٍ، مِثْلُ الْعَطَايَا جَمْعُ عَطِيَّةٍ. وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ هِيَ التَّبَرُّعُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: ١٨٠] . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَرَوَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: «جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُنِي عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ، مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا. قُلْت: فَبِالشَّطْرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا. قُلْت: فَبِالثُّلُثِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنَّك أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] . وَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ.

[فَصَلِّ عَلَى مِنْ تجب الْوَصِيَّة]

(٤٥٩١) فَصْل: وَلَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ إلَّا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ، أَوْ عَلَيْهِ وَاجِبٌ يُوصِي بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ أَدَاءَ الْأَمَانَاتِ، وَطَرِيقُهُ فِي هَذَا الْبَابِ الْوَصِيَّةُ، فَتَكُونُ مَفْرُوضَةً عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ، فَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَى أَحَدٍ، فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، إلَّا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ حُقُوقٌ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَأَمَانَةٌ بِغَيْرِ إشْهَادٍ، إلَّا طَائِفَةً شَذَّتْ فَأَوْجَبَتْهَا. رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: جَعَلَ اللَّهُ الْوَصِيَّةَ حَقًّا مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَقِيلَ لِأَبِي مِجْلَزٍ: عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ وَصِيَّةٌ؟ قَالَ: إنْ تَرَكَ خَيْرًا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: هِيَ وَاجِبَةٌ لِلْأَقْرَبِينَ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ. وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد. وَحُكِيَ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>