للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْصَى بِالْخُمُسِ. وَقَالَ: رَضِيت بِمَا رَضِيَ اللَّهُ بِهِ لِنَفْسِهِ. يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] ، وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أَوْصَيَا بِالْخُمُسِ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَأَنْ أُوصِيَ بِالْخُمُسِ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الرُّبُعِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: صَاحِبُ الرُّبُعِ أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِ الثُّلُثِ، وَصَاحِبُ الْخُمْسِ أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِ الرُّبُعِ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ الْخُمْسُ أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ الثُّلُثِ، فَهُوَ مُنْتَهَى الْجَامِحِ. وَعَنْ الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: أَوْصَى أَبِي أَنْ أَسْأَلَ الْعُلَمَاءَ، أَيُّ الْوَصِيَّةِ أَعْدَلُ؟ فَمَا تَتَابَعُوا عَلَيْهِ فَهُوَ وَصِيَّتُهُ، فَتَتَابَعُوا عَلَى الْخُمُسِ.

[فَصْلٌ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ]

(٤٥٩٤) فَصْلٌ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْعَلَ وَصِيَّتَهُ لِأَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ، إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ عَلِمْت فِي ذَلِكَ، إذَا كَانُوا ذَوِي حَاجَةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، فَخَرَجَ مِنْهُ الْوَارِثُونَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» . وَبَقِيَ سَائِرُ الْأَقَارِبِ عَلَى الْوَصِيَّةِ لَهُمْ. وَأَقَلُّ ذَلِكَ الِاسْتِحْبَابُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: ٢٦] . وَقَالَ تَعَالَى {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} [البقرة: ١٧٧] فَبَدَأَ بِهِمْ وَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ فِي الْحَيَاةِ أَفْضَلُ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ. فَإِنْ أَوْصَى لَغَيْرِهِمْ وَتَرَكَهُمْ، صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ؛ سَالِمٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَعَطَاءٌ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي. وَحُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى، أَنَّهُمْ قَالُوا: يُنْزَعُ عَنْهُمْ، وَيُرَدُّ إلَى قَرَابَتِهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: لِلَّذِي أَوْصَى لَهُ ثُلُثَ الثُّلُثِ، وَالْبَاقِي يُرَدُّ إلَى قَرَابَةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ لَجَازَ مِنْهُ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي رُدَّ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَأَقَارِبُهُ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَهُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْوَصِيَّةِ كَالْوَرَثَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَالِ كُلِّهِ. وَلَنَا، مَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ «، أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَاهُمْ، فَجَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً. فَأَجَازَ» الْعِتْقَ فِي ثُلُثِهِ لِغَيْرِ قَرَابَتِهِ، وَلِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ، فَجَازَتْ لِغَيْرِ قَرَابَتِهِ، كَالْعَطِيَّةِ فِي الْحَيَاةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>