للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ لِلْمُسْتَحَاضَةِ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ]

(٤٨٩) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ حَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَأَمَرَ بِهِ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ» وَغَيْرُ الْمُسْتَحَاضَةِ مِنْ أَهْلِ الْأَعْذَارِ مَقِيسٌ عَلَيْهَا، وَمُلْحَقٌ بِهَا.

[فَصْلٌ تَوَضَّأْت الْمُسْتَحَاضَةُ ثُمَّ انْقَطَعَ دَمُهَا]

(٤٩٠) فَصْلٌ: إذَا تَوَضَّأْت الْمُسْتَحَاضَةُ، ثُمَّ انْقَطَعَ دَمُهَا، فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ انْقَطَعَ لِبُرْئِهَا بِاتِّصَالِ الِانْقِطَاعِ، تَبَيَّنَّا أَنَّ وُضُوءَهَا بَطَلَ بِانْقِطَاعِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ الْخَارِجَ مُبْطِلٌ لِلطَّهَارَةِ عُفِيَ عَنْهُ لِلْعُذْرِ، فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ زَالَتْ الضَّرُورَةُ، فَظَهَرَ حُكْمُ الْحَدَثِ. وَإِنْ عَادَ الدَّمُ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَذَا الِانْقِطَاعِ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقُلْت: إنَّ هَؤُلَاءِ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ، وَيُوَقِّتُونَ بِوَقْتٍ، يَقُولُونَ: إذَا تَوَضَّأَتْ لِلصَّلَاةِ، وَقَدْ انْقَطَعَ الدَّمُ ثُمَّ سَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ، تُعِيدُ الْوُضُوءَ. وَيَقُولُونَ: إذَا كَانَ الدَّمُ سَائِلًا، فَتَوَضَّأَتْ، ثُمَّ انْقَطَعَ الدَّمُ، قَوْلًا آخَرَ.

قَالَ: لَسْت أَنْظُرُ فِي انْقِطَاعِهِ حِينَ تَوَضَّأَتْ سَالَ أَمْ لَمْ يَسِلْ، إنَّمَا آمُرُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَتُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ النَّافِلَةَ وَالْفَائِتَةَ، حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهَا بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، فَالتَّفْصِيلُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ هَذَا يَشُقُّ، وَالْعَادَةُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَأَصْحَابِ هَذِهِ الْأَعْذَارِ أَنَّ الْخَارِجَ يَجْرِي وَيَنْقَطِعُ، وَاعْتِبَارُ مِقْدَارِ الِانْقِطَاعِ فِيمَا يُمْكِنُ فِعْلُ الْعِبَادَةِ فِيهِ يَشُقُّ، وَإِيجَابُ الْوُضُوءِ بِهِ حَرَجٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، وَلَا سَأَلَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسْتَحَاضَةَ الَّتِي اسْتَفْتَتْهُ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ ظَاهِرًا عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ هَذَا التَّفْصِيلُ.

وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: إنْ تَطَهَّرَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ حَالَ جَرَيَانِ دَمِهَا ثُمَّ انْقَطَعَ قَبْلَ دُخُولِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى تَتَوَضَّأَ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ عُفِيَ عَنْ الْحَدَثِ فِيهَا لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ زَالَتْ الضَّرُورَةُ، فَظَهَرَ حُكْمُ الْحَدَثِ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ، وَإِنْ دَخَلَتْ فِي الصَّلَاةِ فَاتَّصَلَ الِانْقِطَاعُ زَمَنًا يُمْكِنُ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ فِيهِ، فَهِيَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ طَهَارَتِهَا بِانْقِطَاعِهِ.

وَإِنْ عَادَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَطَهَارَتُهَا صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا عَدَمَ الطُّهْرِ الْمُبْطِلِ لِلطَّهَارَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ. وَفِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، يَصِحُّ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا صِحَّةَ طَهَارَتِهَا؛ لِبَقَاءِ اسْتِحَاضَتِهَا وَالثَّانِي، لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا صَلَّتْ بِطَهَارَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِهَا فَلَمْ تَصِحَّ، كَمَا لَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ، فَصَلَّى، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُتَطَهِّرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>