للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ قَسَمَ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ جَعَلَهُ كَأَحَدِهِمْ. وَحَكَى أَصْحَابُهُ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ. أَحَدُهُمَا كَمَذْهَبِنَا. وَالثَّانِي لَهُ رُبُعُ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، فَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِمْ صَارُوا أَرْبَعَةً. وَلَنَا، أَنَّهُ جَعَلَ الْوَصِيَّةَ لِجِهَتَيْنِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقَسَّمَ بَيْنَهُمْ، كَمَا لَوْ قَالَ: لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو. وَلِأَنَّهُ لَوْ وَصَّى لِقُرَيْشٍ وَتَمِيمٍ، لَمْ يُشْرَكْ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ عَدَدِهِمْ، وَلَا عَلَى قَدْرِ مِنْ يُعْطَى مِنْهُمْ، بَلْ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ نِصْفَيْنِ، كَذَلِكَ هَاهُنَا. وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ مِسْكِينًا، لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ شَيْءٌ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَإِسْحَاقُ؛ لِأَنَّ عَطْفَهُمْ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا، إذْ الظَّاهِرُ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ تَجْوِيزَ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَجْوِيزِ دَفْعِ الْجَمِيعِ إلَيْهِ، وَلَفْظُهُ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ. فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِقَوْمٍ يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُمْ وَحَصْرُهُمْ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا لِزَيْدٍ وَإِخْوَتِهِ. فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَكُونُ كَأَحَدِهِمْ؛ لِأَنَّهُ شَرَكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِبَعْضِهِمْ، فَتَسَاوَوْا فِيهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: هَذَا لَكُمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالَّتِي قَبْلَهَا.

[فَصْلٌ وَصِيّ وَقَالَ اشْتَرُوا بِثُلُثِي رِقَابًا فَأَعْتِقُوهُمْ]

(٤٧٥٧) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ اشْتَرُوا بِثُلُثِي رِقَابًا، فَأَعْتِقُوهُمْ. لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ إلَى الْمُكَاتَبِينَ؛ لِأَنَّهُ وَصَّى بِالشِّرَاءِ، لَا بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ. فَإِنْ اتَّسَعَ الثُّلُثُ لِثَلَاثَةٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْتَرَى أَقَلُّ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ. وَإِنْ قَدَرْت عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ بِثَمَنِ ثَلَاثَةٍ غَالِيَةٍ، كَانَ أَوْلَى وَأَفْضَلَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا، أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» . وَلِأَنَّهُ يُفَرِّجُ عَنْ نَفْسٍ زَائِدَةٍ، فَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ عَدَمِ ذَلِكَ. وَإِنْ أَمْكَنَ شِرَاءُ ثَلَاثَةٍ رَخِيصَةٍ، وَحِصَّةٍ مِنْ الرَّابِعَةِ، بِثَمَنِ ثَلَاثَةٍ غَالِيَةٍ، فَالثَّلَاثَةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الرِّقَابِ، قَالَ: «أَغْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» . وَالْقَصْدُ مِنْ الْعِتْقِ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ، مِنْ الْوِلَايَةِ، وَالْجُمُعَةِ، وَالْحَجِّ، وَالْجِهَادِ، وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ، الَّتِي تَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِإِعْتَاقِ جَمِيعِهِ. وَهَذَا التَّفْضِيلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْغَالِيَةِ، إنَّمَا يَكُون مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَصْلَحَةِ، فَأَمَّا إنْ تَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ بِدِينٍ، وَعِفَّةٍ، وَصَلَاحٍ، وَمَصْلَحَةٍ لَهُ فِي الْعِتْقِ، بِأَنْ يَكُونَ مَضْرُورًا بِالرِّقِّ، وَلَهُ صَلَاحٌ فِي الْعِتْقِ، وَغَيْرُهُ لَهُ مَصْلَحَةٌ فِي الرِّقِّ، وَلَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِي الْعِتْقِ، وَرُبَّمَا تَضَرَّرَ بِهِ، مِنْ فَوَاتِ نَفَقَتِهِ، وَكَفَالَتِهِ، وَمَصَالِحِهِ، وَعَجْزِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ عَنْ الْكَسْبِ، وَخُرُوجِهِ عَنْ الصِّيَانَةِ وَالْحِفْظِ، فَإِنَّ إعْتَاقَ مَنْ كَثُرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي إعْتَاقِهِ أَفْضَلُ وَأَوْلَى، وَإِنْ قَلَّتْ قِيمَتُهُ، وَلَا يَسُوغُ إعْتَاقُ مَنْ فِي إعْتَاقِهِ مَفْسَدَةٌ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُوصِي تَحْصِيلُ الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ، وَلَا أَجْرَ فِي إعْتَاقِ هَذَا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَ إلَّا رَقَبَةٌ مُسْلِمَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢]

<<  <  ج: ص:  >  >>