للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي، لَوْ كَانَتْ الشُّرُوطُ كُلُّهَا مُنْتَفِيَةً، أَوْ بَعْضُهَا حَالَ الْعَقْدِ، ثُمَّ وُجِدَتْ حَالَةَ الْمَوْتِ لَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ.

[فَصْلٌ قَالَ أَوْصَيْت إلَى زَيْدٍ فَإِنْ مَاتَ فَقَدْ أَوْصَيْت إلَى عَمْرو]

(٤٧٧٥) فَصْلٌ: وَإِذَا قَالَ: أَوْصَيْت إلَى زَيْدٍ، فَإِنْ مَاتَ فَقَدْ أَوْصَيْت إلَى عَمْرٍو صَحَّ ذَلِكَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيًّا، إلَّا أَنَّ عَمْرًا وَصِيٌّ بَعْدَ زَيْدٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي جَيْشِ مُؤْتَةَ: «أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ، فَإِنْ قُتِلَ فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ فَإِنْ قُتِلَ فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» . وَالْوَصِيَّةُ فِي مَعْنَى التَّأْمِيرِ. وَإِنْ قَالَ: أَوْصَيْت إلَيْك، فَإِذَا كَبِرَ ابْنِي كَانَ وَصِيِّي. صَحَّ؛ لِذَلِكَ، فَإِذَا كَبِرَ ابْنُهُ صَارَ وَصِيَّهُ. وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: وَصَّيْت لَك فَانٍ تَابَ ابْنِي عَنْ فِسْقِهِ، أَوْ قَدِمَ مِنْ غَيْبَتِهِ، أَوْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ، أَوْ اشْتَغَلَ بِالْعِلْمِ، أَوْ صَالَحَ أُمَّهُ، أَوْ رَشَدَ، فَهُوَ وَصِيِّي. صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ، وَيَصِيرُ وَصِيًّا عِنْدَ وُجُودِ هَذِهِ الشُّرُوطِ.

[مَسْأَلَةٌ الْوَصِيَّةِ إلَى الْفَاسِقِ]

(٤٧٧٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الْوَصِيُّ خَائِنًا، جُعِلَ مَعَهُ أَمِينٌ) ظَاهِرُ هَذَا صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ إلَى الْفَاسِقِ، وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَدْلًا فَتَغَيَّرَتْ حَالُهُ إلَى الْخِيَانَةِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا، وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ نَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ: إذَا كَانَ الْوَصِيُّ مُتَّهَمًا، لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، فِي مَنْ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِمَوْضِعٍ لِلْوَصِيَّةِ، فَقَالَ لِلْآخَرِ: أَعْطِنِي. لَا يُعْطِيهِ شَيْئًا، لَيْسَ هَذَا بِمَوْضِعٍ لِلْوَصِيَّةِ. فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ الْمَرِيضُ قَدْ رَضِيَ بِهِ؟ فَقَالَ: وَإِنْ رَضِيَ بِهِ. فَظَاهِرُ هَذَا إبْطَالُ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ. وَحَمَلَ الْقَاضِي كَلَامَ الْخِرَقِيِّ وَكَلَامَ أَحْمَدَ فِي إبْقَائِهِ فِي الْوَصِيَّةِ، عَلَى أَنَّ خِيَانَتَهُ طَرَأَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ خِيَانَتُهُ مَوْجُودَةً حَالَ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ، لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْخَائِنِ عَلَى يَتِيمٍ فِي حَيَاتِهِ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وِلَايَةٌ وَأَمَانَةٌ، وَالْفَاسِقُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِمَا. فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الْوَصِيُّ فَاسِقًا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَا وَصِيَّ لَهُ، وَيَنْظُرُ فِي مَالِهِ الْحَاكِمُ. وَإِنْ طَرَأَ فِسْقُهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، زَالَتْ وِلَايَتُهُ وَأَقَامَ الْحَاكِمُ مُقَامَهُ أَمِينًا. هَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: لَا تَزُولُ وِلَايَتُهُ وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ يَنْظُرُ مَعَهُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ حِفْظُ الْمَالِ بِالْأَمِينِ، وَتَحْصِيلُ نَظَرِ الْوَصِيِّ بِإِبْقَائِهِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَيَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حِفْظُ الْمَالِ بِالْأَمِينِ، تَعَيَّنَ إزَالَةُ يَدِ الْفَاسِقِ الْخَائِنِ وَقَطْعُ تَصَرُّفِهِ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْمَالِ عَلَى الْيَتِيمِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ قَوْلِ الْمُوصِي الْفَاسِدِ. وَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْفِسْقِ الطَّارِئِ وَبَيْنَ الْمُقَارِنِ، فَبَعِيدٌ؛ فَإِنَّ الشُّرُوطَ تُعْتَبَرُ فِي الدَّوَامِ، كَاعْتِبَارِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>