للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدَّمَهُ إلَى الْقَاضِي لِيَسْتَحْلِفَهُ أَنَّ مَالِي فِي يَدَيْك حَقٌّ. فَقَالَ: لَا يَحْلِفُ. وَيُعْلِمُ الْقَاضِيَ بِالْقَضِيَّةِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ الْقَاضِي فَهُوَ أَعْلَمُ. فَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ، وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً، فَهَلْ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ قَبُولُهَا، وَقَضَاءُ، الدَّيْنِ بِهَا، مِنْ غَيْرِ حُضُورِ حَاكِمٍ؟ فَكَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، قَالَ: لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ بِدَعْوَاهُ، إلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ جَوَّزَ الدَّفْعَ بِالْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَهُ حُجَّةٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ أُخَرَ: إلَّا أَنْ يُثْبِتَ بَيِّنَةً عِنْدَ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ، فَأَمَّا إنْ صَدَّقَهُمْ الْوَرَثَةُ عَلَى ذَلِكَ. قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ.

[مَسْأَلَةٌ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ عَبْدَيْنِ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا]

(٤٧٨٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، عَبْدَيْنِ، لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا، وَقِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِائَتَانِ، وَالْآخَرِ ثَلَاثُمِائَةٍ، فَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَتَانِ، عَتَقَ مِنْهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ، وَهُوَ ثُلُثُ الْجَمِيعِ. وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْآخَرِ، عَتَقَ مِنْهُ خَمْسَةُ أَتْسَاعِهِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مِلْكِ الْمَيِّتِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ قِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ، فَضُرِبَ فِي ثَلَاثَةٍ، فَأُخِذَ ثُلُثُهُ خَمْسُمِائَةٍ فَأَمَّا إنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَتَانِ، ضَرَبْنَاهُ فِي ثَلَاثَةٍ، فَصَيَّرْنَاهُ سِتَّمِائَةٍ، فَصَارَ الْعِتْقُ مِنْهُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ. وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ فِي الْآخَرِ إذَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ. وَكُلُّ شَيْءٍ يَأْتِي مِنْ هَذَا الْبَابِ فَسَبِيلُهُ أَنْ يُضْرَبَ فِي ثَلَاثَةٍ، لِيَخْرُجَ بِلَا كَسْرٍ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَحْكَامٍ أَرْبَعَةٍ؛ مِنْهَا أَنَّ حُكْمَ الْعِتْقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ، لَا يَجُوزُ مِنْهُ إلَّا ثُلُثُ الْمَالِ، إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ. وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.، وَحُكِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ، فِي مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ: أُجِيزُهُ بِرُمَّتِهِ، شَيْءٌ جَعَلَهُ لِلَّهِ لَا أَرُدُّهُ. وَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ يُخَالِفُ الْأَثَرَ وَالنَّظَرَ، فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ «عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ عِنْدَ مَوْتِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ، فَدَعَا بِهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً. وَقَالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْعَطَايَا وَالصَّدَقَاتِ. الثَّانِي، أَنَّ الْعِتْقَ إذَا كَانَ فِي أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَحْمِلْهُمْ الثُّلُثُ، كَمَّلْنَا الثُّلُثَ فِي وَاحِدٍ بِالْقُرْعَةِ، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً كَمَّلْنَا الْعِتْقَ فِي بَعْضِهِمْ بِالْقُرْعَةِ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمَذْكُورِ. الثَّالِثُ، أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا جُزْءٌ مِنْ عَبْدٍ، عَتَقَ ذَلِكَ الْجُزْءُ خَاصَّةً، وَرُقَّ بَاقِيهِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْعِتْقِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الرَّابِعُ، إثْبَاتُ الْقُرْعَةِ وَمَشْرُوعِيَّتِهَا؛ بِدَلِيلِ حَدِيثِ عِمْرَانَ، وَفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَعْبُدِ الَّذِينَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ. فَأَمَّا كَيْفِيَّةُ تَكْمِيلِ الْعِتْقِ، فَإِنَّ الْعَبِيدَ إنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمْ، وَكَانَ لَهُمْ ثُلْثٌ صَحِيحٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>