للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِمَا فِيهِ الْمَنْفَعَةُ الْمُبَاحَةُ، كَمَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِخَمْرٍ وَخَلٍّ. وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِخَمْرٍ فِي جَرَّةٍ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَيْهِ الْخَمْرُ، وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ.

[مَسْأَلَةٌ الْمُوصَى بِهِ إذَا تَلِفَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَهُ]

(٤٧٩٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ، فَتَلِفَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ شَيْءٌ. وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ كُلُّهُ إلَّا الْمُوصَى بِهِ، فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِمَّنْ عَلِمْنَا قَوْلَهُ، عَلَى أَنَّ الْمُوصَى بِهِ إذَا تَلِفَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَهُ، فَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ. كَذَلِكَ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، فَقَالَ: أَجْمَعَ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أُوصِيَ لَهُ بِشَيْءٍ، فَهَلَكَ ذَلِكَ الشَّيْءُ، أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ فِي سَائِرِ مَالِ الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْوَصِيَّةِ لَا غَيْرُ، وَقَدْ تَعَلَّقَتْ بِمُعَيَّنٍ، وَقَدْ ذَهَبَ، فَذَهَبَ حَقُّهُ، كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ، وَالتَّرِكَةُ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي أَيْدِيهِمْ بِغَيْرِ فِعْلِهِمْ، وَلَا تَفْرِيطِهِمْ، فَلَمْ يَضْمَنُوا شَيْئًا. وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ كُلُّهُ سِوَاهُ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ لِتَعْيِينِهِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَذَلِكَ يَمْلِكُ أَخْذَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ وَإِذْنِهِمْ، فَكَانَ حَقُّهُ فِيهِ دُونَ سَائِرِ الْمَالِ، وَحُقُوقُهُمْ فِي سَائِرِ الْمَالِ دُونَهُ، فَأَيُّهُمَا تَلِفَ حَقُّهُ لَمْ يُشَارِكْ الْآخَرَ فِي حَقِّهِ، كَمَا لَوْ كَانَ التَّلَفُ بَعْدَ أَنْ أَخَذَهُ الْمُوصَى لَهُ وَقَبَضَهُ، وَكَالْوَرَثَةِ إذَا اقْتَسَمُوا، ثُمَّ تَلِفَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي مَنْ خَلَّفَ مِائَتَيْ دِينَارٍ وَعَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَوَصَّى لَرَجُلٍ بِالْعَبْدِ، فَسُرِقَتْ الدَّنَانِيرُ بَعْدَ الْمَوْتِ: فَالْعَبْدُ لِلْمُوصَى لَهُ بِهِ.

[فَصْلٌ وَصَّى لَهُ بِمُعِينِ فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ أَوْ هَلَكَ]

فَصْلٌ: وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمُعَيَّنٍ، فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ أَوْ هَلَكَ، فَلَهُ مَا بَقِيَ مِنْهُ، إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِ عَبْدٍ أَوْ ثُلُثِ دَارٍ، فَاسْتُحِقَّ الثُّلُثَانِ مِنْهُ، فَالثُّلُثُ الْبَاقِي لِلْمُوصَى لَهُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ كُلَّهُ مُوصًى بِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، فَاسْتَحَقَّهُ الْمُوصَى لَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ شَيْئًا مُعَيَّنًا. وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ، فَهَلَكَ عَبْدَانِ، أَوْ اُسْتُحِقَّا، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا ثُلُثُ الْبَاقِي. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوصِ لَهُ مِنْ الْبَاقِي بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَقَدْ شَرَكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَثَتِهِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ.

[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءِ فَلَمْ يَأْخُذْهُ زَمَانًا]

(٤٨٠١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ فَلَمْ يَأْخُذْهُ زَمَانًا، قُوِّمَ وَقْتَ الْمَوْتِ، لَا وَقْتَ الْأَخْذِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي قِيمَةِ الْمُوصَى بِهِ وَخُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ، أَوْ عَدَمِ خُرُوجِهَا، بِحَالَةِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا حَالُ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمَالِ فِيهَا. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. فَيُنْظَرُ؛ فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ ثُلُثَ التَّرِكَةِ، أَوْ دُونَهُ، نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ، وَاسْتَحَقَّهُ الْمُوصَى لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>