للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ، قَالَ: «تُوُفِّيَ ثَابِتُ ابْنُ الدَّحْدَاحَةِ، وَلَمْ يَدَعُ وَارِثًا وَلَا عَصَبَةً، فَرُفِعَ شَأْنُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالَهُ إلَى ابْنِ أُخْتِهِ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ.» وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، فِي " الْأَمْوَالِ "، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَلَمْ يَخْلُفْ إلَّا ابْنَةَ أَخٍ لَهُ، فَقَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِيرَاثِهِ لِابْنَةِ أَخِيهِ.

وَلِأَنَّهُ ذُو قَرَابَةٍ، فَيَرِثُ، كَذَوِي الْفُرُوضِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ سَاوَى النَّاسَ فِي الْإِسْلَامِ، وَزَادَ عَلَيْهِمْ بِالْقَرَابَةِ، فَكَانَ أَوْلَى بِمَالِهِ مِنْهُمْ، وَلِهَذَا كَانَ أَحَقَّ فِي الْحَيَاةِ بِصَدَقَتِهِ وَصِلَتِهِ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ بِوَصِيَّتِهِ، فَأَشْبَهَ ذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ الْمَحْجُوبِينَ، إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْ يَحْجُبُهُمْ. وَحَدِيثُهُمْ مُرْسَلٌ. ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا مَعَ ذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ؛ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْخَالُ " وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ ". أَيْ لَا يَرِثُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ. وَقَوْلُهُمْ: لَا يَرِثَانِ مَعَ أَخِيهِمَا. قُلْنَا: لِأَنَّهُمَا أَقْوَى مِنْهُمَا.

وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْمِيرَاثَ إنَّمَا ثَبَتَ نَصًّا. قُلْنَا: قَدْ ذَكَرْنَا نُصُوصًا. ثُمَّ التَّعْلِيلُ وَاجِبٌ مَهْمَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ هَاهُنَا، فَلَا يُصَارُ إلَى التَّعَبُّدِ الْمَحْضِ.

[مَسْأَلَةٌ إرْثُ ذَوَى الْأَرْحَامِ]

(٤٨٨٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَيُوَرَّثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ فَيُجْعَلُ مَنْ لَمْ يُسَمَّ لَهُ فَرِيضَةٌ عَلَى مَنْزِلَةِ مَنْ سُمِّيَتْ لَهُ، مِمَّنْ هُوَ نَحْوُهُ، فَيُجْعَلُ الْخَالُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ، وَالْعَمَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ. وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ جَعَلَهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَمِّ.

وَبِنْتُ الْأَخِ بِمَنْزِلَةِ الْأَخِ، وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ لَمْ يُسَمَّ لَهُ فَرِيضَةً فَهُوَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَذْهَبُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ، وَهُوَ أَنْ يَنْزِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يَمُتُّ بِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ، فَيُجْعَلُ لَهُ نُصِيبُهُ. فَإِنْ بَعُدُوا نَزَلُوا دَرَجَةً دَرَجَةً إلَى أَنْ يَصِلُوا إلَى مَنْ يَمُتُّونَ بِهِ، فَيَأْخُذُونَ مِيرَاثَهُ. فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا أَخَذَ الْمَالَ كُلَّهُ، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً قَسَمْت الْمَالَ بَيْنَ مَنْ يَمُتُّونَ بِهِ، فَمَا حَصَلَ لِكُلِّ وَارِثٍ جُعِلَ لِمَنْ يَمُتُّ بِهِ.

فَإِنْ بَقِيَ مِنْ سِهَامِ الْمَسْأَلَةِ شَيْءٌ، رُدَّ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ. وَهَذَا قَوْلُ عَلْقَمَةَ، وَمَسْرُوقٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَحَمَّادٍ، وَنُعَيْمٍ، وَشَرِيكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالثَّوْرِيِّ، وَسَائِرِ مَنْ وَرَّثَهُمْ غَيْرُ أَهْلِ الْقَرَابَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا نَزَّلَا بِنْتَ الْبِنْتِ مَنْزِلَةَ الْبِنْتِ، وَبِنْتَ الْأَخِ مَنْزِلَةَ الْأَخِ، وَبِنْتَ الْأُخْتِ مَنْزِلَةَ الْأُخْتِ، وَالْعَمَّةَ مَنْزِلَةَ الْأَبِ، وَالْخَالَةَ مَنْزِلَةَ الْأُمِّ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ.

وَعَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا، أَنَّهُ نَزَّلَ الْعَمَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْعَمِّ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَمَسْرُوقٍ. وَهِيَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ. - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، أَنَّهُمَا نَزَّلَاهَا مَنْزِلَةَ الْجَدِّ مَعَ وَلَدِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ. وَنَزَّلَهَا آخَرُونَ مَنْزِلَةَ الْجَدَّةِ. وَإِنَّمَا صَارَ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْعَمَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَدْلَتْ بِأَرْبَعِ جِهَاتٍ وَارِثَاتٍ؛ فَالْأَبُ وَالْعَمُّ أَخَوَاهَا، وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ أَبَوَاهَا. وَنَزَّلَ قَوْمٌ الْخَالَةَ جَدَّةً؛

<<  <  ج: ص:  >  >>