للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَابِرٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى الِاسْتِهْلَالِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَرِثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ، وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِهْلَالِ مَا هُوَ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَرِثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ صَارِخًا

فَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَا يَرِثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَشُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقَ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وَرِثَ»

أَنَّهُ لَا يَرِثُ بِغَيْرِ الِاسْتِهْلَالِ، وَفِي لَفْظٍ ذَكَرَهُ ابْنُ سُرَاقَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي الصَّبِيِّ الْمَنْفُوسِ: «إذَا وَقَعَ صَارِخًا فَاسْتَهَلَّ وَرِثَ، وَتَمَّتْ دِيَتُهُ، وَسُمِّيَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَقَعَ حَيًّا وَلَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا، لَمْ تَتِمَّ دِيَتُهُ، وَفِيهِ غُرَّةٌ؛ عَبْدٌ، أَوْ أَمَةٌ، عَلَى الْعَاقِلَةِ» . وَلِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ حَيٍّ، وَالْحَرَكَةُ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ حَيٍّ، فَإِنَّ اللَّحْمَ يَخْتَلِجُ سِيَّمَا إذَا خَرَجَ مِنْ مَكَان ضَيِّقٍ، فَتَضَامَّتْ أَجْزَاؤُهُ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى مَكَان فَسِيحٍ فَإِنَّهُ يَتَحَرَّكُ مِنْ غَيْرِ حَيَاةٍ فِيهِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ فِيهِ حَيَاةٌ، فَلَا نَعْلَمُ كَوْنَهَا مُسْتَقِرَّةً.

لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، فَإِنَّ الْحَيَوَانَاتِ تَتَحَرَّكُ بَعْدَ الذَّبْحِ حَرَكَةً شَدِيدَةً، وَهِيَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ، وَاخْتُلِفَ فِي الِاسْتِهْلَالِ مَا هُوَ؟ فَقِيلَ: هُوَ الصُّرَاخُ خَاصَّةً. وَهَذَا قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَرَوَاهُ أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ، فَقَالَ: لَا يَرِثُ إلَّا مَنْ اسْتَهَلَّ صَارِخًا. وَإِنَّمَا سُمِّيَ الصُّرَاخُ مِنْ الصَّبِيِّ الِاسْتِهْلَالَ تَجَوُّزًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الْهِلَالَ صَاحُوا عِنْدَ رُؤْيَتِهِ، وَاجْتَمَعُوا، وَأَرَاهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَسُمِّيَ الصَّوْتُ عِنْدَ اسْتِهْلَالِ الْهِلَالِ اسْتِهْلَالًا، ثُمَّ سُمِّيَ الصَّوْتُ مِنْ الصَّبِيِّ الْمَوْلُودِ اسْتِهْلَالًا؛ لِأَنَّهُ صَوْتٌ عِنْدَ وُجُودِ شَيْءٍ يُجْتَمَعُ لَهُ، وَيُفْرَحُ بِهِ

وَرَوَى يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: يَرِثُ السِّقْطُ وَيُورَثُ، إذَا اسْتَهَلَّ. فَقِيلَ لَهُ: مَا اسْتِهْلَالُهُ؟ قَالَ: إذَا صَاحَ أَوْ عَطَسَ أَوْ بَكَى. فَعَلَى هَذَا كُلُّ صَوْتٍ يُوجَدُ مِنْهُ، تُعْلَمُ بِهِ حَيَاتُهُ، فَهُوَ اسْتِهْلَالٌ. وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ صَوْتٌ عُلِمَتْ بِهِ حَيَاتُهُ، فَأَشْبَهَ الصُّرَاخَ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، إذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ بِصَوْتٍ أَوْ حَرَكَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَرِثَ، وَثَبَتَ لَهُ أَحْكَامُ الْمُسْتَهِلِّ، لِأَنَّهُ حَيٌّ فَتَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْحَيَاةِ، كَالْمُسْتَهِلِّ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَدَاوُد

وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ حَيًّا فَاسْتَهَلَّ، ثُمَّ انْفَصَلَ بَاقِيهِ مَيِّتًا، لَمْ يَرِثْ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: إذَا خَرَجَ أَكْثَرُهُ فَاسْتَهَلَّ ثُمَّ مَاتَ، وَرِثَ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وَرِثَ» . وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ جَمِيعُهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>