للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَدِهِ

وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ، فَلَمْ يَثْبُتْ الْوَلَاءُ عَلَى وَلَدِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَرَبِيًّا. وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، أَوْ حَرْبِيًّا، أَوْ مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ مَعْلُومَهُ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمَالِكٍ وَابْنِ شُرَيْحٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ، ثَبَتَ الْوَلَاءُ عَلَى وَلَدِهِ لِمَوْلَى الْأُمِّ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً. قَالَ ابْنُ اللَّبَّانِ: وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْخَبْرِيُّ: هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدَ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى ثُبُوتِهِ لِمَوْلَى الْأُمِّ مَوْجُودٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ بِحُرِّيَّةِ الْأَبِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً فَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي الْمَانِعِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، وَلَا يَزُولُ عَنْ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ، وَلَا يُتْرَكُ الْعَمَلُ بِالْمُقْتَضِي مَعَ الشَّكِّ فِي الْمَانِعِ

وَلَنَا، أَنَّ الْأَبَ حُرٌّ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، فَأَشْبَهَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْآدَمِيِّينَ الْحُرِّيَّةُ وَعَدَمُ الْوَلَاءِ، فَلَا يُتْرَكُ هَذَا الْأَصْلُ بِالْوَهْمِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ، كَمَا لَمْ يُتْرَكْ فِي حَقِّ الْأَبِ. وَقَوْلُهُمْ: مُقْتَضَى ثُبُوتِهِ لِمَوْلَى الْأُمِّ مَوْجُودٌ. مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ لِمَوْلَى الْأُمِّ بِشَرْطِ رِقِّ الْأَبِ، وَهَذَا الشَّرْطُ مُنْتَفٍ حُكْمًا وَظَاهِرًا. وَإِنْ سَلَّمْنَا وُجُودَ الْمُقْتَضِي، فَقَدْ ثَبَتَ الْمَانِعُ حُكْمًا، فَإِنَّ الْأَبَ حُرِّيَّتُهُ ثَابِتَةٌ حُكْمًا، فَلَا تَعْوِيلَ عَلَى مَا قَالُوهُ

وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَوْلًى، وَالْأُمُّ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ، فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِنَا وَقِيَاسُ قَوْلِ الْقَاضِي وَالشَّافِعِيِّ أَنْ يَثْبُتَ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِمَوْلَى ابْنِهِ؛ لِأَنَّا شَكَكْنَا فِي الْمَانِعِ مِنْ ثُبُوتِهِ. وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَلِأَنَّ الْأُمَّ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ حُرَّةَ الْأَصْلِ، فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ أَمَةً فَيَكُونُ وَلَدُهَا عَبْدًا، أَوْ مَوْلَاةً فَيَكُونُ عَلَى وَلَدِهَا الْوَلَاءُ لِمَوْلَى أَبِيهِ. وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ رَاجِحٌ؛ لِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ مَحْكُومٌ بِهِ فِي الْأُمِّ، فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِهِ فِي وَلَدِهَا

الثَّانِي، أَنَّهُ مُعْتَضِدٌ بِالْأَصْلِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ، ثُمَّ لَوْ لَمْ يَتَرَجَّحْ هَذَا الِاحْتِمَالُ، لَكَانَ الِاحْتِمَالُ الَّذِي صَارُوا إلَيْهِ مُعَارَضًا بِاحْتِمَالَيْنِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَاوٍ لَهُ، فَتَرْجِيحُهُ عَلَيْهِمَا تَحَكُّمٌ لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَهَذَا وَارِدٌ عَلَيْهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا.

[فَصْلٌ تَزَوَّجَ مُعْتَقٌ بِمُعْتَقَةِ فَأُوَلِّدهَا وَلَدَيْنِ]

(٥٠١٩) فَصْلٌ: إذَا تَزَوَّجَ مُعْتَقٌ بِمُعْتَقَةٍ، فَأَوْلَدَهَا وَلَدَيْنِ فَوَلَاؤُهُمَا لِمَوْلَى أَبِيهِمَا. فَإِنْ نَفَاهُمَا بِاللِّعَانِ، عَادَ وَلَاؤُهُمَا إلَى مَوْلَى أُمِّهِمَا. فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، فَمِيرَاثُهُ لِأُمِّهِ وَمَوَالِيهِمَا. فَإِنْ أَكْذَبَ أَبُوهُمَا نَفْسَهُ، لَحِقَهُ نَسَبُهُمَا، وَاسْتَرْجَعَ الْمِيرَاثَ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ. وَلَوْ كَانَ أَبُوهُمَا عَبْدًا، وَلَمْ يَنْفِهِمَا، وَوَرِثَ مَوَالِي الْأُمِّ الْمَيِّتَ مِنْهُمَا، ثُمَّ أُعْتِقَ الْأَبُ انْجَرَّ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلَا لِلْأَبِ اسْتِرْجَاعُ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا ثَبَتَ لَهُمْ عِنْدَ إعْتَاقِ الْأَبِ، وَيُفَارِقُ الْأَبَ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ مِنْ حِينِ خَلْقِ الْوَلَدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>