للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٥٠٤٤) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، إذَا لَمْ يَحْفَظْهَا كَمَا يَحْفَظُ مَالَهُ، وَهُوَ أَنْ يُحْرِزَهَا بِحِرْزِ مِثْلِهَا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا. وَحِرْزُ مِثْلهَا يُذْكَرُ فِي بَابِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ. وَهَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْمُودِعُ مَا يَحْفَظُهَا فِيهِ، فَإِنْ عَيَّنَ لَهُ لَزِمَهُ حِفْظُهَا فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ حِرْزَ مِثْلِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَإِنْ أَحْرَزَهَا بِمِثْلِهِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْهَا وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَهَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ (٥٠٤٥) الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ، إذَا أَوْدَعْهَا غَيْرَهُ. وَلَهَا صُورَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، أَنْ يُودِعَهَا غَيْرَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.

بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ حِفْظَهَا وَإِحْرَازَهَا، وَقَدْ أَحْرَزَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَحَفِظَهَا بِهِ، وَلِأَنَّهُ يَحْفَظُ مَالَهُ بِإِيدَاعِهِ، فَإِذَا أَوْدَعَهَا فَقَدْ حَفِظَهَا بِمَا يَحْفَظُ بِهِ مَالَهُ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا، كَمَا لَوْ حَفِظَهَا فِي حِرْزِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ خَالَفَ الْمُودِعَ فَضَمِنَهَا. كَمَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ إيدَاعِهَا. وَهَذَا صَحِيحٌ فَإِنَّهُ أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَرْضَ لَهَا غَيْرَهُ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ لَهُ تَضْمِينَ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ الرُّجُوعُ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ مَعَهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنَّهُ أَمِينٌ لَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.

وَإِنْ أَحَبَّ الْمَالِكُ تَضْمِينَ الثَّانِي، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَضْمِينُهُ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الضَّمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ قَبْضًا مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَى الْأَوَّلِ، فَلَمْ يُوجِبْ ضَمَانًا آخَرَ، وَفَارَقَ الْقَبْضَ مِنْ الْغَاصِبِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجِبْ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ، إنَّمَا لَزِمَهُ الضَّمَانُ بِالْغَصْبِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ تَضْمِينَ الثَّانِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُهُ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ مَالِكُهُ، فَضَمِنَهُ، كَالْقَابِضِ مِنْ الْغَاصِبِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ

وَذِكْرُ أَحْمَدَ الضَّمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْ الثَّانِي، كَمَا أَنَّ الضَّمَانَ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ، وَلَا يَنْفِي وُجُوبَهُ عَلَى الْقَابِضِ مِنْهُ. فَعَلَى هَذَا يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ، فَإِنْ ضَمَّنَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَمَا ذَكَرْنَا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا أَصْلَ لَهُ، ثُمَّ هُوَ مُنْتَقِضٌ بِمَا إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى إنْسَانٍ عَارِيَّةً، أَوْ هِبَةً، أَوْ وَدِيعَةً لِنَفْسِهِ، فَأَمَّا إنْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِحِفْظِهَا لَهُ مِنْ أَهْلِهِ، كَامْرَأَتِهِ وَغُلَامِهِ، لَمْ يَضْمَنْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>