للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا، لِحُرْمَةِ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ. وَالثَّانِي، لِحُرْمَةِ الْبَهِيمَةِ، فَإِنَّ الْحَيَوَانَ يَجِبُ إحْيَاؤُهُ بِالْعَلْفِ وَالسَّقْيِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ عَلْفُهَا. إلَّا أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَبَرُّعٌ مِنْهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ أَمْرِ صَاحِبِهَا، كَغَيْرِ الْوَدِيعَةِ. وَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِعَلْفِهَا، لَزِمَهُ ذَلِكَ أَيْضًا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ ذَلِكَ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحْفَظَهُ إيَّاهَا، وَلَمْ يَأْمُرْ بِعَلْفِهَا، وَالْعَلْفُ عَلَى مَالِكِهَا، فَإِذَا لَمْ يَعْلِفْهَا كَانَ هُوَ الْمُفَرِّطَ فِي مَالِهِ

وَلَنَا، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إتْلَافُهَا، وَلَا التَّفْرِيطُ فِيهَا، فَإِذَا أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ عَلْفَهَا وَسَقْيَهَا، ثُمَّ نَنْظُرُ؛ فَإِنْ قَدَرَ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى صَاحِبِهَا أَوْ وَكِيلِهِ، طَالَبَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، أَوْ بِرَدِّهَا عَلَيْهِ، أَوْ يَأْذَنُ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا لِيَرْجِعَ بِهِ. فَإِذَا عَجَزَ عَنْ صَاحِبِهَا أَوْ وَكِيلِهِ، رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ، فَإِنْ وَجَدَ لِصَاحِبِهَا مَالًا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَالًا فَعَلَ مَا يَرَى لَصَاحِبِهَا الْحَظَّ فِيهِ، مِنْ بَيْعِهَا، أَوْ بَيْعِ بَعْضِهَا وَإِنْفَاقِهِ عَلَيْهَا، أَوْ إجَارَتِهَا، أَوْ الِاسْتِدَانَةِ عَلَى صَاحِبِهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَيَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْمُودَعِ إنْ أَرَادَ ذَلِكَ لِيُنْفِقَهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ رَأَى دَفْعَهُ إلَى غَيْرِهِ لِيَتَوَلَّى الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا، جَازَ.

وَإِنْ اسْتَدَانَ مِنْ الْمُودَعِ، جَازَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ لِيَتَوَلَّى الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَيْهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْحَاكِمُ فِي أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ، وَيَكُونَ قَابِضًا لِنَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَكِلُ ذَلِكَ إلَى اجْتِهَادِهِ فِي قَدْرِ مَا يُنْفِقُ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى صَاحِبِهَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ إذَا ادَّعَى النَّفَقَةَ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنْ ادَّعَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، لَمْ يَثْبُتْ لَهُ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي أَنْفَقَ فِيهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَاكِمِ، فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ عَلَى صَاحِبِهَا، وَأَشْهَدَ عَلَى الرُّجُوعِ، رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً.

لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا، وَلَا تَفْرِيطَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا. وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ إمْكَانِ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ، فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. نَصَّ عَلَيْهَا فِيمَا إذَا أَنْفَقَ عَلَى الْبَهِيمَةِ الْمَرْهُونَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ، وَفِي الضَّامِنِ إذَا ضَمِنَ وَأَدَّى بِغَيْرِ إذْنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، هَلْ يَرْجِعُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، يَرْجِعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِتَرْكِ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ. وَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ، مَعَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ، أَوْ مَعَ إمْكَانِهِ، فَفِي الرُّجُوعِ وَجْهَانِ أَيْضًا كَذَلِكَ. وَمَتَى عَلَفَ الْبَهِيمَةَ أَوْ سَقَاهَا فِي دَارِهِ، أَوْ غَيْرِهَا، بِنَفْسِهِ، أَوْ أَمَرَ غُلَامَهُ أَوْ صَاحِبَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، كَمَا يَفْعَلُ فِي بَهَائِمِهِ.

عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ، فَأَشْبَهَ الْمُصَرَّحَ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>