للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّضِيرِ، أَطْعَمَهَا اللَّهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْإِيجَافُ، الْإِيضَاعُ. يَعْنِي الْإِسْرَاعَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْوَجِيفُ دُونَ التَّقْرِيبِ مِنْ السَّيْرِ. يُقَالُ: وَجَفَ الْفَرَسُ، وَأَوْجَفْت أَنَا.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر: ٦] فَكُلُّ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ بِغَيْرِ إيجَافٍ، مِثْلُ الْأَمْوَالِ الَّتِي يَتْرُكُونَهَا فَزَعًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهُوَ فَيْءٌ. وَمَا أَجْلَبَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَسَارُوا إلَيْهِ، وَقَاتَلُوهُمْ عَلَيْهِ، فَهُوَ غَنِيمَةٌ، سَوَاءٌ أُخِذَ عَنْوَةً أَوْ اسْتَنْزَلُوا أَهْلَهُ بِأَمَانٍ.

فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «افْتَتَحَ حُصُونَ خَيْبَرَ بَعْضَهَا عَنْوَةً، وَبَعْضَهَا اسْتَنْزَلَ أَهْلَهُ بِالْأَمَانِ، فَكَانَتْ غَنِيمَةً كُلَّهَا.»

[مَسْأَلَةٌ خُمْسُ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ مَقْسُومٌ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ]

[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ الْفَيْءُ مَخْمُوسٌ كَمَا تُخَمَّسُ الْغَنِيمَةُ]

(٥٠٧٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (فَخُمُسُ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ مَقْسُومٌ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُصُولٌ أَرْبَعَةٌ: (٥٠٧٦) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْفَيْءَ مَخْمُوسٌ، كَمَا تُخَمَّسُ الْغَنِيمَةُ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا يُخَمَّسُ. نَقْلَهَا أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: إنَّمَا تُخَمَّسُ الْغَنِيمَةُ. قَالَ الْقَاضِي: لَمْ أَجِدْ مِمَّا قَالَ الْخِرَقِيِّ مِنْ أَنَّ الْفَيْءَ مَخْمُوسٌ نَصًّا فَأَحْكِيهِ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَخْمُوسٍ. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا تُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ فِي الْفَيْءِ خُمُسٌ، كَخُمُسِ الْغَنِيمَةِ. وَأَخْبَارُ عُمَرَ تَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ} [الحشر: ٧] إلَى قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: ١٠] . الْآيَةَ. فَجَعَلَهُ كُلَّهُ لَهُمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ خُمُسًا. وَلَمَّا قَرَأَ عُمَرُ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ: هَذِهِ اسْتَوْعَبَتْ الْمُسْلِمِينَ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧] فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ جَمِيعَهُ لِهَؤُلَاءِ.

وَهُمْ أَهْلُ الْخُمُسِ، وَجَاءَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ عُمَرَ دَالَّةً عَلَى اشْتِرَاكِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ، فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، كَيْ لَا تَتَنَاقَضَ الْآيَةُ وَالْأَخْبَارُ وَتَتَعَارَضَ، وَفِي إيجَابِ الْخُمُسِ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَهُمَا وَتَوْفِيقٌ، فَإِنَّ خُمُسَهُ لِلَّذِي سُمِّيَ فِي الْآيَةِ، وَسَائِرُهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَنْ فِي الْخَبَرِ، كَالْغَنِيمَةِ. وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ مَظْهُورٌ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُخَمَّسَ، كَالْغَنِيمَةِ وَالرِّكَازِ. وَرَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، قَالَ: لَقِيت خَالِي وَمَعَهُ الرَّايَةُ، فَقُلْت: إلَى أَيْنَ؟ فَقَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى رَجُلٍ عَرَسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ، أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ وَأُخَمِّسَ مَالَهُ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>